• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دَردَشاتٌ دِيمُقراطِيَّةٌ! [٤] .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

دَردَشاتٌ دِيمُقراطِيَّةٌ! [٤]

   ٢/ كانت المُهمَّةُ صعبةً وعسيرةً، لأَنَّ المطلوب من المُحاولة هو بناء نظامٍ سياسيٍّ جديدٍ من نقطة الصِّفر! فليس في العراق تجربةٌ سابقةٌ يمكنُ البناءَ عليها! كما أَنَّ عقليَّة العراقيِّين لا تسمح لهم بأَن يستوردُوا الأَفكار والأَدوات من الأَجنبي [الكافر] مهما كان نوعُها وصيغتُها وهدفُها ومصدرُها!. 
   وعلى الرَّغمِ من أَنَّ التَّجربة الديمقراطيَّة في الدَّولة العراقيَّة حديثة التَّأسيس كانت جديدة على عقليَّة العراقيِّين، وبالرَّغم من نواقصِها وأَخطائِها وشوائبِها [سنتحدَّث عن ذلك لاحقاً] مع كلِّ ذلك كانَ من المُفترض أَن تستمرَّ رُبما عدَّة عقودٍ أَو قرنٍ من الزَّمن لتستقرَّ في العقليَّة والثَّقافة والوعي والعلاقة، حالها حال كلَّ تجارب البشريَّة، إِلَّا أَنَّ العراقيِّين، وكعادتهِم، كانوا مستعجلين على النَّتائج فكانوا يتصوَّرون أَنَّ الديمقراطيَّة كعُلب سمك السَّردين يمكنُ إِستيرادها بقرارٍ والتلذُّذ والانتعاشِ بطعمِها بقرارٍ! ولذلك لم يصبِروا على الديمقراطيَّة التي كان من المفروض أَن يتعاملوا معها على قاعدةِ [أَصلح الشَّيء ولا تُلغهِ] إِذا بالجيش يزحف عليها صبيحة الرَّابع عشر من تمُّوز عام ١٩٥٨ ليقضي على بصيصِ الأَمل وليُنهي كلَّ شَيْءٍ! فأُلغيَ صُندوق الاقتراع وأُلغيت الحياة المدنيَّة ليتحوَّل العراق إِلى معسكرٍ كبيرٍ تسرح فيه وتمرح الميليشيات بمختلفِ أَسمائِها ومسمَّياتِها! إِذ لكلِّ عهدٍ إِسمٌ ولكلِّ زعيمٍ رسمٌ ولكلِّ سُلطةٍ هويةٌ وعلمٌ! وهكذا!.
   كما تمَّ إِلغاء مبدأ التَّداول السِّلمي للسُّلطة ليتُمَّ تداوُلها بالدَّم وأُلغي البرلمان وكلَّ شَيْءٍ!.
   ومنذُ ذلك التَّاريخ وإِلى صبيحة يوم ٩ نيسان عام ٢٠٠٣ شهِد العراق أَسوء عصورهِ السياسيَّة سِمَتُهُ السَّحل وأَعواد المشانِق والأَحكام العُرفيَّة ومحاكِم قراقوش وتآمر رفاقِ الدَّرب بعضهم على البعضِ الآخر! ومن ثمَّ الحروب العبثيَّة والمقابر الجماعيَّة وحلبچة والأَنفال والحرق والإِذابة بالتِّيزاب وهكذا!.
   منذ التَّغيير الأَخير ولحدِّ الآن، أَي منذُ أَن احتلَّت الولايات المتَّحدة الأَميركيَّة العراق وأَسقطت نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين ولحدِّ الآن حاولَ المُجتمع الدَّولي مساعدة العراقيِّين لإِعادة تجربة الديمقراطيَّة في البلادِ مرَّةً أُخرى! والتي أَصرَّ عليها بالدَّرجةِ الأُولى المرجع الأَعلى في النَّجف الأَشرف السيِّد علي السِّيستاني عندما رفضَ رفضاً قاطعاً تعيين أَعضاء الجمعيَّة الوطنيَّة التي أُنيط بها كتابة الدُّستور الدَّائم [الحالي] وأَصرَّ على انتخابهِم من قِبل الشَّعب، ولكن وكعادةِ العراقيِّين الذين يستعجلُونَ الطَّبخة دائماً لم يقرِّروا لحدِّ هذه اللَّحظة أَن يستوعبُوا الأَمر ليراكِموا التَّجربة ويواصِلوا المُحاولة إِلى النَّهاية بجدٍّ ومثابرةٍ وصبر كما فعلت وتفعل كلَّ المُجتمعات في العالَم والتي تحوَّلت من مرحلة تاريخيَّة إِلى أُخرى نقيضةٌ لها، ومن الاستبداد والديكتاتوريَّة والنُّظم الشموليَّة إِلى الديمقراطيَّة والشَّراكة الحقيقيَّة!.
   وعلى الرَّغمِ من أَنَّ تجربة الديمقراطيَّة في العراق يمكنُ إِعتبارها الرَّائدة في عالمِنا العربي! إِلَّا أَنَّ العراقيِّين يتصوَّرون بأَنَّ تجربتهُم هي الأَسوء وهي الأَتعس من بين التَّجارب الأُخرى!.
   ولا أَدري على ماذا يبنُون إِستنتاجاتهِم هَذِهِ؟! ومع مَن يُقارنُون تجربتهُم ليستنتجُوا ذلك؟!.
   هل مع تجربة الديمقراطيَّة في مِصر على الرَّغمِ من أَنَّها شهِدت ثورةً شعبيَّةً عامَّةً وعارمةً بكلِّ معنى الكلِمة أَطاحت بنظامٍ  مستبدٍّ فاسدٍ! ليلتفَّ عليها الجيش مرَّةً أُخرى فيُسيطر النِّظام الجديد على كلِّ شَيْءٍ فيُعِدُّ أَنفاس المواطنين ليبقى بالسُّلطة ما استطاعَ إِلى ذلك سبيلاً! حتى أَنَّهُ تربَّص بكلِّ الذين رشَّحوا أَنفسهُم للانتخابات الرِّئاسيَّة ليُصفِّيهم الواحد تلوَ الآخر فلم يبق في حلبة التَّنافس إِلَّا [القائد الضَّرورة] وجوابهُ إِذا سُئل عن خليفتهِ [ظلِّي خليفَتي عليكُم] وكلُّ هذا على الرَّغمِ من أَنَّ مصر هي أُمُّ الدُّنيا وأَنَّها التي أَنتجت كلَّ هذا الكمِّ الهائل من الكُتَّاب والأُدباء والمُثقَّفين المتنوِّرين وكلُّ هذا الانتاج الغزيز من الفنِّ وعلى مُختلف الأَصعدة! إِلَّا أَنَّ النَّتائج على صعيد الديمقراطيَّة جاءت بائِسة جدّاً! عندما استُغفِلَ الشَّعب!.
   أَم أَنَّهم يُقارنُون ديمقراطيَّتهم بالتَّجربة الديمقراطيَّة في تونس أَو الجزائر أَو اليمن أَو ليبيا أَو...!.
   وأَغرب ما في الموضوع هو أَنَّ بعض البائِسين يحاولُون لَي عُنق الحقيقة واستغفال ذاكرتِنا والاستخفاف بعقولِنا ليَصِمُوا تجربتنا الديمقراطيَّة الحاليَّة بالأَميركيَّة وأَنَّها مشروع الأَميركيِّين! ناسينَ أَو مُتناسينَ بأَنَّ الانتخابات ومُنذُ اللَّحظة الأُولى كانت مشروع المرِجع الأَعلى وليس مشروع الأَميركان والذين أَلزمهُم ما أَلزموا بهِ أَنفسهُم عندما أَعلنوا نيَّتهُم إِسقاط الديكتاتوريَّة وإِقامة البديل الدِّيمقراطي! وكلُّنا نتذكَّر جيِّداً أَنَّ الولايات المتَّحدة بذلت كلَّ جُهدها للحيلولةِ دُونَ إِجراء أَيَّة إِنتخابات
إِلَّا أَنَّ إِصرار المرِجع الأَعلى الذي كان يُمثِّل نبَض الشَّارع وضميرهُ الوطني الحيِّ وتأييد العراقيِّين لَهُ أَسقط المشروع الأَميركي.
   إِنَّهم يحاولُون تشويه الحقائِق بالتَّهريج والأَكاذيب وكأَنَّهم أَكثر وطنيَّةً من غيرهِم! ناسينَ أَو مُتناسينَ بأَنَّ [الوطنيَّة هي ليست تهريجُ مُهرِّج أَو تصفيقٌ في الشَّوارع بل هي عملٌ مُثمِرٌ] على حدِّ قول العلَّامة العراقي عبدالسَّلام إِبراهيم المُكنَّى [أَبو شوِيفة] والذي كان عالماً لُغويّاً وباحثاً في التَّاريخ الإِسلامي والحاصل على مرتبة الشَّرف من جامعة بغداد والأَزهر الشَّريف في خمسينيَّات القِرن الماضي!.
   *يتبع...
   ٢٤ آذار ٢٠١٨
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=117265
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28