لا ريب في ان العقلاء قد تبانوا في شؤون حياتهم على عدم ترتيب الآثار على أخبار غير الثقة مالم يتبين لهم صحتها ولكن برز في السابق والحاضر من يحاول إلغاء هذه القاعدة في خصوص الأخبار ذات الطابع الديني فلا يناقش في مبحث من مباحث علم الرجال انما يدعو الى الضرب بكل العلم عرض الجدار وتعد هذه المحاولة واحدة من عدد كبير من محاولات تسطيح الوعي الديني وتشويشه عن عمد من اصحابها او غفلة ،والغرض من ذلك في الغالب تمرير بعض النصوص التي تنسجم مع اغراضهم كما هي الحال مع أحمد الكاطع أو تسطيح الخطاب الديني امعانا في توهين الدين وتمهيدا للانقلاب على الموروث الروائي بعد ان يفقد رونقه كما هي الحال مع الكثيرين.
وقد تصدى غير واحد من الاساتذة والباحثين لمجابهة هذه الشبهات كان آخر ما صدر في ذلك كتاب "مباحث في المنظومة الروائية الشيعية" تأليف السيد علي نجل السيد عبد الاعلى السبزواري حفظه الله تعالى والذي صدر قبل بضعة أشهر عن دار الهلال في النجف الأشرف ،وهو بحث مختصر يتكفل بوضع القارىء على الجادة ويمنحه المفاتيح الكفيلة بفك شيفرة كثير من الحواجز التي تعترض طريقه في هذا المضمار غير انه في الغالب يترك تطبيق المفاتيح على الاقفال على عاتق القارىء نفسه.
تبنى المقبولية في المنظومة الروائية الشيعية على التوثيق والوثوق ويتكفل ببحثهما علوم الحديث من رجال ودراية وما شاكلهما ويتكفل علم الرجال بالدرجة الاساس بمعالجة منهج الوثاقة والتي هي بمعنى ملكة الصدق في الحديث ويرى السيد السبزواري انها من الامور القارة في عمود الزمان والتي لا تتغير ما لم يطرأ عليها ما يوجب زوالها والطريق الى اكتشافها اما المعاشرة او قيام البينة او بالشهرة وغيرها مما يوجب الاطمئنان من المناشىء العقلائية ،على ملابسات هذه القضية وتشعباتها دارت رحى البحث والذي كاد ينفرد في طريقة بيانه للمسلك الثالث – المقابل للوثاقة والوثوق – أعني مسلك تصحيح السند بتصحيح المتن والذي تبناه الفيض الكاشاني والسيد محمد حسين كاشف الغطاء والسيد عبد الاعلى السبزواري رحمهم الله .
توزعت مباحث الكتاب على اربعة عشر مبحثا عالجت بعض المبادىء التصورية لعلمي الرجال والدراية كالغاية منهما ونبذة عن تاريخهما وما شاكل ذلك بالاضافة الى بعض قواعدهما ومسالك من صنف من الامامية فيهما معرجا على مسالك العلماء في اثبات صدور الحديث مجيبا عن بعض الاشكاليات المتوجهة لهذا العلم كشبهة المواعدة والارسال في تقييم الرجال والاجتهاد والحدس وما شاكلها خاتما بمبحث شيق عن بعض مناشىء الجرح والتعديل ويد المخالفين في ذلك.
على انه ينبغي التنويه الى ان الكتاب في الجملة لا يخلو من آراء تعد محل نقاش وخلاف بين الاعلام لا سيما المعاصرين حفظهم الله تعالى من قبيل تبنيه اصالة الوثاقة وآراء اخرى .
الكتاب متوفر في دار الهلال /النجف الأشرف /نهاية شارع الرسول