• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قبل أن نذهب الى مؤتمر المانحين في الكويت بعض من ذكريات مسلسل إعمار العراق .
                          • الكاتب : سيف الخياط .

قبل أن نذهب الى مؤتمر المانحين في الكويت بعض من ذكريات مسلسل إعمار العراق

 تشير الباحثة سيسيليا بييري المشاركة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ومؤلفة كتاب "(بغداد .. بناء العاصمة الحديثة 1914-1960)  إلى أن "بغداد قد اختبرت التدمير الحضري مع أربع ثورات وثلاث حروب، إنها عاصمة يعرف المتمرسون فيها كيفية إعادة الإعمار".

لعل من المهم جداً الإشارة في هذا السياق الى أن العراقيين لم يشهدوا إعماراً شاملاً وحقيقياً كالذي حدث عام 1991 بعد التدمير الذي لحق بالعراق جراء حرب الكويت. حيث كان صدام قد أطلق حملة إعمار واسعة تحت شعار "يعمر الأخيار ما خرّبه الأشرار"، تمكن خلالها من قلب صفحة الدمار بفترة أشهر مع رهانات على بناء الأفضل مثل (جسر ذو الطابقين) ووسط تحديات الحصار الاقتصادي الدولي.

يقول (س . أ) أحد المهندسين المشرفين على بناء جسر ذو الطابقين إن "صدام لم يبذل الكثير من الجهد لإعادة إعمار العراق" بعد أن تعرض لقصف مدمر من قبل ثلاثين جيش، فهو مجرد قام بتوقيع أمر  انطلاق حملة الإعمار على المستوى الوطني وحفز كوادر الدولة والمواطنين العراقيين.

هذا المهندس الذي عمل على تنفيذ جسر ذو الطابقين يعمل الآن في منصب مهم داخل الدولة، وهو يضحك عندما تجري المقارنة بين زمنين، ويقول بسخرية إن "الحكومة الآن تعتقد بإن مؤتمرات الإعمار والشركات الأجنبية والقروض هي الوسيلة نحو الإعمار، في حين عندما كان صدام حسين تحت الحطام والحصار إحتاج فقط الى ورق وحبر لطباعة دنانير بلا رصيد كانت كافية لتمويل حملة إعادة إعمار البنية الحضرية للدولة العراقية".

يذكر أن العراق كان قد أطلق أول حملة إعمار في العهد الملكي عندما جرى تأسيس (مجلس الإعمار) وعلى الرغم من الأحلام الكبيرة التي طرحها هذا المجلس الا أن الإستثمار عبره كان يعتمد بنسبة 100‎% على الشركات الأجنبية، كما أن إدارة الإستثمار كانت تتحرك وفق الهوى السياسي ما جعل تلك الإستثمارات بوابة للتدخلات الخارجية ومحل إزدراء وطني تسبب في إيقافها وطردها فيما بعد.

بعد الإطاحة بالملكية عام 1958 إنتبهت جمهورية عبد الكريم قاسم مبكراً لأخطاء مجلس الإعمار الذي كان يتبنى مذهب (الإستثمار السياسي)، والذي كان يمثل فلسفة الحكم في العهد الملكي، حيث أن الإعمار كان يذهب في اتجاه مصالح الشركات الأجنبية قبل التفكير بحاجة البلد للتنمية، وهذا ما جعل عبد الكريم قاسم يستبدل مجلس الإعمار بوزارة التخطيط، وكانت في حينها أول وزارة في الدولة العراقية، كما فرض على الاستثمار الأجنبي شروطاً وطنية. 

 ولعل أحداث (التأميم) أنهت فترة (الإستثمار السياسي)، وهي أحداث كانت تعبر عن هواجس السيادة الوطنية وعن مقومات نهضة عراقية، ما تسبب بوفرة مالية هائلة سمحت بتنفيذ بعض (مشاريع الأحلام) التي كان يتحدث بها مجلس الإعمار الملكي على المدى الطويل، وشهد العراق توسعاً عمرانياً هائلاً لازالت غالبية الدولة تعتمد عليه حتى الآن.

نظام البعث (البكر + صدام) كان محظوظاً لكونه وصل للسلطة في عهد ذهبي، حيث كانت فيه (التراكمات المعرفية) قد وصلت الى مراحل متطورة وكانت الرؤية الوطنية لها الأرجحية في رسم السياسة الإقتصادية للدولة. 

البعث في عهده الأول أبقى على الطموحات الكبيرة التي كانت يتحدث بها مجلس الإعمار الملكي، ثم استعان برؤية جمهورية قاسم التي تقوم على مبادئ :
1- التخطيط
2- الشروط الوطنية للإستثمار.
وفيما بعد أضاف مبدءً ثالثاً :
3- تبني مذهب (الإقتصاد المختلط) على الطريقة الاسكندنافية.

تحديات الإعمار في الدولة العراقية وهذه السلسلة الطويلة من المراحل والتحولات من المفترض أن تجعلنا اليوم أمام (تراكم معرفي) أكثر وعياً ونحن نتجه الى مؤتمر الكويت، حتى لا تتكرر الأخطاء، آخذين بالإعتبار القدرات البشرية العراقية والموارد المالية الكبيرة التي تحتاج بالدرجة الأساس الى تحفيز وتخطيط والى بناء ثقة الشعب بنظام الحكم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=115349
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 02 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19