• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الوزير ابن العلقمي والغزو المغولي .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي .

الوزير ابن العلقمي والغزو المغولي

الوزير مؤيد الدين بن العلقمي هو محمد بن أحمد بن علي الأسدي، أبو طالب، وزير المستعصم بالله، آخر الخلفاء العباسيين. 
ولد ابن العلقمي في بلدة النيل قرب الحلة سنة 593هـ، ودرس النحو وعلم الأدب في شبيبته بالحلة على عميد الرؤساء هبة الله بن حامد بن أيوب، ثم ذهب الى بغداد وقرأ على أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري، ثم انضم إلى خاله أستاذ دار الخلافة عضد الدين أبي نصر المبارك بن الضحاك، وكان شيخ الدولة فضلا وعلما ورئاسة وتجربة فتخلق بأخلاقه وتأدب بآدابه، واستنابه في ديوان الأبنية، وشغله بعلم الإنشاء إلى أن توفي خاله، فانقطع ولزم داره، واستمر شمس الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد أستاذ الدار فاستدعى مؤيد الدين إلى دار التشريفات وأمره بالتردد إليها في كل يوم ومشاركة النواب بها، فلما نقل أستاذ الدار أحمد بن الناقد إلى الوزارة نقل مؤيد الدين إلى أستاذية الدار، فكان على ذلك إلى أن توفي الوزير أحمد بن الناقد، فانتقل مؤيد الدين إلى الوزارة، ولم يزل على ذلك إلى أن انقضت الدولة العباسية -بسقوط بغداد على يد هولاكو- وأقرَّ في الدولة التترية على الوزارة. 
ملامح شخصية ابن العلقمي
بالرغم من الشبهات والتهم التي اُلصقت بابن العلقمي، إلا أن أغلب المؤرخين ومن ترجم له متفقون على أنه كان حازما خبيرا بسياسة الملك، كاتبا فصيح الإنشاء، اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد، وصنف له الصنعاني (العباب)، وابن أبي الحديد (شرح نهج البلاغة)
وقال الصفدي في الوافي بالوفيات:1/151: ((كان وزيرا كافيا، خبيرا بتدبير الملك)). وقال شاكر الكتبي في فوات الوفيات:2/256: ((محمد بن محمد بن علي، أبو طالب الوزير مؤيد الدين بن العلقمي البغدادي الرافضي، وزير المستعصم، ولي الوزارة أربع عشرة سنة فأظهر الرفض قليلا، وكان وزيرا كافيا خبيرا بتدبير الملك، ولم يزل ناصحا لأصحابه وأستاذه، حتى وقع بينه وبين الدويدار لأنه كان متغاليا في السنة، وعضده ابن الخليفة...))
وقال الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم محقق كتاب شرح نهج البلاغة:1/10، أنه ((كان من فضلاء الشيعة وأعيانهم ببغداد، مائلا للآداب مقربا للأدباء)). 
والخلاصة: الوزير ابن العلقمي تمتع بعدد من السجايا الأخلاقية والعلمية الرفيعة، فقد كان أديبا شاعرا منشئا، ووزيرا محنكا خبيرا بتدبير الأمور، ناصحا مخلصا في عمله.
الأوضاع السياسية والاجتماعية في عصر ابن العلقمي
عاصر ابن العلقمي أربعة من الخلفاء العباسيين، فقد عاش شبابه في عهد الناصر لدين الله (ت 622 هـ )، ثم تولى ولده الأكبر الظاهر بأمر الله الخلافة تسعة أشهر (ت 623) ثم انتقلت الخلافة الى ولده المستنصر (ت 640)، ثم عاصر آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله (ت 656)، وقد عمل في المناصب الإدارية للدولة مدة أربعة وعشرين عاما. 
وكانت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية تموج في عصره بالفتن والصراعات على السلطة والوجاهة، واحتقانات دينية وطائفية وعرقية، وتمر البلاد بأزمات مالية واقتصادية خانقة، بسبب تفشي ظاهرة السرقة والفساد الإداري، بالإضافة الى الكوارث الطبيعية التي تمثلت بكثرة الأمطار والفيضانات التي كانت تقضي على المحاصيل الزراعية مع كل شتاء، فضلا عن خطر التمدد المغولي الذي كان يهددها بالسقوط في أية لحظة. 
كما كانت الخلافات بين أركان الدولة تلقي بضلالها على الواقع الاجتماعي مما يزيد ذلك من الاحتقان المذهبي، ويفتت وحدة المجتمع أكثر فأكثر، فقد كان الدويدار رجلا طائفيا وصوليا أنانيا لا يبالي بشيء في سبيل الوصول الى أغراضه الشخصية، وكان يحمل عداءا شخصيا للوزير ابن العلقمي، ويسعى بكل جهده لإفشال مشاريع الوزير وتدبيراته، مستغلا تعاطف ابن الخليفة الأكبر معه، وقد تسبب الدويدار في النكبة التي حلَّت ببغداد
قال ابن كثير في البداية والنهاية:13/234: ((أن هولاكو لما كان أول بروزه من همدان متوجها إلى العراق أشار الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراة له عما يريده من قصد بلادهم، فخذَّل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره (من الحاشية)، وقالوا إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال، وأشاروا بأن يبعث (الخليفة) بشيء يسير، فأرسل شيئا من الهدايا فاحتقرها هولاكو خان، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دويداره المذكور، وسليمان شاه، فلم يبعثهما إليه ولا بالا به حتى أزف قدومه، ووصل بغداد بجنوده الكثيرة، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم وبقية الجيش، كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله)).
وذكر المؤرخ الطقطقي في كتاب (الفخري في الآداب السلطانية) وهو ممن عاصر تلك الفترة ((في آخر أيام المستعصم قويت الأراجيف بوصول عسكر المغول صحبة السلطان هولاكو، فلم يحرك ذلك منه -أي المستعصم- عزماً ولا نبه منه همة ولا أحدث عنده هماً، وكان كلما سمع عن السلطان من الاحتياط والاستعداد شيئا ظهر من الخليفة نقيضه من التفريط والإهمال، ولم يكن يتصور حقيقة الحال في ذلك. 
وكان وزيره مؤيد الدين بن العلقمي يعرف حقيقة الحال في ذلك ويكاتبه بالتحذير والتنبيه ويشير عليه بالتيقظ والاحتياط والاستعداد وهو لا يزداد إلا غفولاً، وكان خواصه يوهمونه أنه ليس في هذا كبير خطر ولا هناك محذور، وأن الوزير إنما يعظم هذا لينفق سوقه ولتبرز إليه الأموال ليجند بها العساكر فيقتطع منها لنفسه.... 
وما زالت غفلة الخليفة تنمى ويقظة الجانب الآخر تتضاعف حتى وصل العسكر السلطاني إلى همدان وأقام بها مديدة. ثم تواترت الرسل السلطانية إلى الديوان المستعصمي فوقع التعيين من ديوان الخليفة على ولد أستاذ الدار، وهو شرف الدين عبد الله بن الجوزي، فبعث رسولاً إلى خدمة الدركاه السلطانية بهمدان. فلما وصل وسمع جوابه علم أنه جواب مغالطة ومدافعة. فحينئذ وقع الشروع في قصد بغداد وبث العساكر إليها. فتوجه عسكر كثيف من المغول، والمقدم عليهم باجو، إلى تكريت ليعبروا من هناك إلى الجانب الغربي ويقصدوا بغداد من غربيها ويقصدها العسكر السلطاني من شرقيها. فلما عبر عسكر باجو من تكريت وانحدر إلى أعمال بغداد...)).
وقال ابن أبي الحديد:8/240، والذي عاصر تلك الأحداث أيضا: ((وكان مدبر أمر الدولة والوزارة في هذا الوقت هو الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي، ولم يحضر الحرب، بل كان ملازما ديوان الخلافة بالحضرة، لكنه كان يمد العسكر الإسلامي من آرائه وتدبيراته بما ينتهون إليه ويقفون عنده، فحملت التتار على عسكر بغداد حملات متتابعة، ظنوا أن واحدة منها تهزمهم، لأنهم قد اعتادوا أنه لا يقف عسكر من العساكر بين أيديهم، وأن الرعب والخوف منهم يكفي ويغني عن مباشرتهم الحرب بأنفسهم، فثبت لهم عسكر بغداد أحسن ثبوت، ورشقوهم بالسهام....)).
من هذه النصوص وأخر غيرها نستنتج أن مسؤولية انهيار الدولة الإسلامية وسقوط بغداد يتحملها دويدار الخليفة، وابن الخليفة، والحاشية، والخليفة نفسه بسبب تجاهله تحذيرات الوزير ابن العلقمي، لكن التعصب الطائفي دفع بكثير من غير المنصفين من المؤرخين الى اتهام ابن العلقمي بالخيانة، وتحميله مسؤولية سقوط بغداد، وهو براء من ذلك بشهادة الكثير ممن عاصر تلك الأحداث.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=112711
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29