• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : صراع من اجل البقاء (تداعيات ذاتية لفيلم –العبقري- للمخرج مايكل جرانداج) .
                          • الكاتب : د . فائق يونس المنصوري .

صراع من اجل البقاء (تداعيات ذاتية لفيلم –العبقري- للمخرج مايكل جرانداج)

تقديم:

العبقري Genius … فيلم المخرج المسرحي البريطاني مايكل جرانداج Michael Grandage وسيناريو جون لوغان John Logan، مأخوذا عن الكتاب الفائز بحائزة الكتاب الوطنية عام 1978 (ماكس بيركنز: محرر العباقرة) للكاتب سكوت بيرغ Scott Berg. وهو انتاج بريطاني- أميركي مشترك من انتاج حزيران 2016 يتحدث عن السيرة الذاتية لهذا المحرر العبقري وعلاقته مع الكاتب الأميركي الجنوبي توماس وولف Thomas Wolfe.

لما اُتيحت لي الفرصة لأن اشاهد هذا الفيلم الرائع اعجبتني جدا جمالية الحوار الذي يدور بين الشخصيتين الرئيستين في الفيلم، فضلا عن حوار سريع جرى بين بطل الفيلم ماكس بيركنز Max Perkins (قام بدوره الممثل Colin Firth) وبين الكاتب العبقري ارنست هيمنجواي (قام بدوره Dominic West) قبل رحيله للمشاركة في تغطية احداث الحرب الاهلية الإسبانية التي نشبت للتو، وكذلك حوار آخر جرى مع الكاتب الأميركي العبقري فرانسيس سكوت فيتزجيرالد (قام بدوره Guy Pearce) صاحب رواية غاتسبي العظيم.

ان أفضل ما في هذا الفيلم هي تلك الحواريات الرائعة بين بطليه الرئيسيين المحرر ماكس بيركنز والكاتب توماس وولف (قام بدوره الممثل الكبير Jude Law) وقد شعرت بأنني اشاهد احدى مسرحيات شكسبير بسبب جمالية الحوار ودرامية الاحداث، وكم سعدت بعد ذاك عندما عرفت بان مخرج العمل انما هو في الأصل مخرج مسرحي.

ونصيحتي للمثقفين والمتذوقين ان يحرصوا على مشاهدة هذا الفيلم الرائع والتركيز على هضم الحوارات الرائعة التي تدور بين ابطاله، ولمن يرغب بمشاهدة الفيلم ولأجل ان يكتمل استمتاعه بالفيلم انصح بان يسجل الحوارات بقلمه ثم يعيد مطالعتها كنص مكتوب.

كما اود ان أتقدم بشكري الجزيل لمن قام بترجمة هذا الفيلم رغم بعض الهنات والهفوات هنا وهناك، والشكر موصول لمن قام برفعه على موقع سينمانا*.

 

تداعيات ذاتية:

من تداعيات الحواريات الرائعة في هذا الفيلم اود ان أسجل هذه الالتقطات الفكرية التي مزجتها ببعض الانثيالات الذاتية:

(1) الإبداع والحياة:

لكي تكون مبدعاً عليك ان تضيء درباً جديداً، وهذه هي دوما مشكلة البلهاء. لان بوسع الجميع مواجهة الحقيقة المرة أفضل من مجابهة الشكوك، بينما نمضي (نحن البلهاء) لنحدق بأضواء النجوم وهي تشع في أفق السماء فيما تخبو تحت اقدامنا انوار البيوت ونحن نستذكر ايّام أسلافنا وهم يجتمعون حول شعلة من النار تشعُ في جُنح الظلام وحولنا تعوي الذئابُ في عتمةِ الليلِ بعيداً خلف حلقة النور. ثم يشرع أحدهم بالكلام ليروي قصةً لكيلا يخشى الآخرونَ الظلام ولكي يجعلهم يحلقون مع كل تلك الاضواء ويحسوا بسطوة جميع مصادر الحياة.

 

(2) الموت والحياة:

الموتُ والحربُ تحيط بِنَا وعلينا التواجد فيها في مكان ما، وإننا نحتاج لمعايشة الصراع الأزلي القديم كي نستطيع وصف لذة الحياة، الصراع لأجل البقاء وماذا غير ذلك؟؟

وليس لدينا أية فكرة عما يعنيه ان يكون الانسانُ حياً، غيرُ مدركين لما يعنيه ان يستيقظ المرء كل صباح وهو يكافح متعلقاً بالحياة خشية ان يفقدها!!

 

(3) هل هناك طرق اخرى للحياة؟؟

اجل.. انها حبُ أطفالك ورؤيتهم وهم يكبرون بصورة صحيحة،

رعاية عائلتك وتوفير احتياجاتهم،

اداء عملك بإتقان وتقديمه بالطريقة الصحيحة للآخرين.

ان الحياة ليست الكلام والهذر الفارغ، بل ان الشعور بماهية الحياة هو ما يجعلنا احياءً، والعمل والتضحية لأجل الآخرين هو ما يجعلنا نحس بإنسانيتنا ونفخر بها.

فالنظر في عيني شخص آخر والشعور بالأسى لأجله إنما تساوي آلافاً من اَي تسطير لكلمات جوفاء، ذلك ما ارغبُ دوما بان أعيشه وأحس به.

 

 (4) محطة الرحيل:

عندما ينطلق بك قطار العمر مغادراً احدى محطات الحياة حيث تركت أحد أحبائك (وليكن أباك مثلا) وانت تراقبه صامتا من خلف نافذة القطار وهو يتضاءل امام ناظريك شيئاً فشيئاً حتى لم تعد تراه ثانية، سيكون ذلك القطار قد عبر بك السهول والأنهار التي كانت يوما ما تتدفق امام باب داره وأحيانا كانت تبتعد عنه وتعود اليه مجددا في احيان اخرى، آنذاك يجب عليك ان تثبت لنفسك ان باستطاعتك خوض غمار الحياة لوحدك في طريق شاق وطويل دون حاجة لِيَد أبيك أو حضن أمك لكي تصنع شيئاً خالداً يخلد ذكراهما ولتصبح انت أرثهما.

 

(5) قرية تحت ظلال النخيل:

وانت تسير عبر طرقات متربة وحولك تتراقص أعراف الديوك الملونة وتحدق بوجهك مبتسمة تماثيل الملائكة الناعمة التي لامستها كف الحظ الغامضة لتصنع سحرا جديدا في عالم مغبر، فإنك لن تظفر من أيامك الا بلحظات تمر بِك كطنين ذباب محتضر، وتصبح كل لحظة تمر بك ثمرةُ كفاحٍ لأربعين ألفَ عامٍ من صراع الحياة، وتكونُ كلُّ لحظةٍ نافذةً لجميعِ الازمان. وكرجلٍ يلفظ آخرَ انفاسهِ في ليلةٍ قطبيةُ المناخِ وهو يستذكرُ مرتعَ ايّامَ صباهُ اليانعةِ حيثُ عرانيسُ الذرةِ وأشجارُ النخيلِ والحبوبُ اليانعةُ، لماذا.. ولَمَ هنا.. ضيّعنا أعمارنا؟؟!!

 

(6) وهمُ اليقين:

إذا كان الفردُ منا معجباً بالتحفة التي خلقها، فإننا (بشرُ هذي الارض) ليس الا انعكاساً لبجماليون أو صورةَ دوريان جراي بالنسبة لخالقنا عندما اختار هذه الكتلة القبيحة من طين هذه الارض ليمزجها بماء الحياة الذي أضاعه جلجامش بعدما دله اوتونابشتم الى طريق الخلود، حيث لا يتواجد أحد غيرنا في محراب زقورة هذه الحياة.

الا يبدو ذلك كرحلة لانهائية نحو حدود الابدية حينما يحين الوقت لأن تمضي في طريقك وحيداً الا من شخصيات خلقها الخيال المتعب المليء بوهم الخلود بعيداً عن العائلةِ والاهلِ والأصدقاء، أولئك البشر الحقيقيون الذين لم يكونوا يوما من صنع الخيال، آنذاك لما تنفقُ ساعاتك وحيداً شارداً وانت تحدقً في صور ذكرياتك فلا تشعر باي شيء، ستدرك كم كنتَ غبياً وساذجاَ لما أضعت أحلى سنين عمرك تطارد وهماً اسمه اليقين….

 

(7) سؤالٌ اخيرٌ يُقلقُني:

ما هو مصدرُ الإلهامِ في زحمةِ هذهِ الحياة؟

وهل نستطيعُ الخلاصَ مما يحيط بِنَا من ركام الاوهام؟

أم انها لحظة النهاية كأننا نلتقط اخر صورة لنا امام شاهدَ قبرِنا؟

أو انها وهجُ العظمةِ المتلألئةِ المختبئة بجبن خلف هيكل مكتب كئيب عقيم، فيما يخبو ببطئ ويشعرُ بالوهنِ كلُّ شيءٍ جميلٍ في دواخِلِنا؟!

....

 

 * لمن يرغب بمشاهدة الفيلم يمكنه الوصول اليه عبر الرابط ادناه:

http://cinemana.shabakaty.com/page/movie/watch/en/60386

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=112706
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19