• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سيرة ذاتٍ ومسيرة مع الله .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

سيرة ذاتٍ ومسيرة مع الله

عنونتَ سيّدي، سيرتكَ الذاتيّة: عنايةَ الله، لو كنتِ موجودة! لأفهمَها على امتداد الصفحات: كم أنتِ موجودة، كم أنتِ حاضرة! وتمنّيتَ في إهدائي نصّكَ أن تثبّتني قراءتُه في القناعات التي يبثّها!

دعني في البداية أقول إنّكَ في اعتمادكَ السيرة الذاتيّة، ولجتَ عالم الأدب في أصْعَبه. أدبُ السيرة لا ينفكّ يطرح إشكاليّةَ المصداقيّة في النصّ. فالكاتب معتمِدٌ غالبًا وقائعَ وأحداث بأسماءَ وهميّة، مبدّلاً أيضًا في الزمان والمكان، قصدَ التمويه، تحاشيًا لمَسٍّ بالمشاعر. وسُمّي ما كتبتَ، في رأيي ابتذالاً، مذكّرات.

لا، أنتَ كتبتَ أدب السيرة. كتبتَ السيرةَ الذاتيّة، بشفافيّةٍ كاشفة. رائعٌ ما فعلت. تباركَ سعيُكَ! طرحتَ ذاتكَ أمام القارئ، شفيفًا كما في عينَي الله! هذا أنا، هذه انطلاقتي في الدنيا، عائلةً، دراسةً وتخصّصًا، ثمّ حياةً مهنيّة... هذا أنا في تعثّراتي ونجاحاتي، في إنسانيّتي ومصادرها، في براءاتي وقناعاتٍ لم أحِدْ عنها. هؤلاء هم الناس الذين رافقوني، فكانوا سندي وحاملي همومي، فدفعوني إلى الأمام، إلى ما أنا عليه.

ما يهمّني التنويه به في هذه السيرة، هو تمازج الأدب بالأرقام، فيتمتّع متذوّقُ الكلمة، ويحكم رائد العلم والاختصاص. وفي هذه جميعها، تطعُّمٌ بجرُعات النعمة، تقي مخاطرَ وتمطر زخَّ بركات!

في سردكَ النصّي، تكاملُ عناصر النمط الأدبيّ الذي كتبتَ فيه. الشخصيّاتُ بأسمائها الحقيقيّة، تجد ذاتها متربّعة حيث هي في الواقع، لا حيث حلا لكَ وضعُها. ما يجعل كلّ واحدةٍ في مفخرةٍ لِما أدّت بطبيعيّتها، الدورَ في السيرة. الأمكنة على تعدّدها كم أعطت السردَ غنى المضمون ودسمَ المستند العلميّ الدامغ. أمّا الزمان، فكم شاهدٌ لمرحلة النضال رغم الصعوبات الأمنيّة والعلائقيّة في لبنانَ والمنطقة.

وتبقى اللغة. كتبتَ في الفرنسيّة، ولا عجب. أنتَ ابن الثقافة الفرنسيّة تعلُّمًا منذ المرحلة الدراسيّة في معهد الجمهور، حيث الإدارةُ والجماعة فرنسيّتا التواصل. وانتقلتَ إلى فرنسا للتخصّص الجامعيّ، فتكوّنت اللغة لسانكَ الطبيعيّ. هي فرنسيّةٌ جميلة، أجدتَ التعبيرات السرديّة الراقية فيها، متنقّلاً بين الحبكة النصيّة في الجملة الخبريّة التي كرّستْكَ راويًا وأديبًا، لتصل إلى المفردات العلميّة المهْنيّة بمهارة المهندس المتمكّن، المدرك مادّتَه نظريًّا وتطبيقًا.

في صفحاتٍ لم تتعدّ الثمانين، رفعتَ إلى الله مزمروًا تسبيحيًّا بامتنانٍ بنويّ، رائد وفريد. عنايةَ الله، لو لم ترافقيني، أين كنتُ اليوم، في كلّ ما مررتُ يه؟ هل أستطيع أن أفيَ الله أشخاصًا وضعهم في طريقي، كانوا دومًا أساسَ حياتي وخياراتي؟! هل أستطيع شكرَه على نجاحاتٍ حقّقتُها معنويًّا وماديًّا، فكان اسمي ولا يزال، فخرًا لي ولمن حولي؟ هذا كلّه من دون ترداداتٍ لِما تقصده، كأنّي بكَ تردّد مع صاحب المزامير: "ماذا أردّ للربّ عن جميع ما أعطاني؟"

في هذه الصفحات، وعلى امتداد النصّ، قدّمتَ للقارئ إنسانًا، هو أنت، راويًا وبطلاً، لكن مثالاً إنسانيًّا، واثقَ الخطوات، منحنيًا أمامَ ضعفاته، متلقّيًا نعمةً تَهديه. دعني أعترف أنّكَ لم تقصد من كلّ هذا إلاّ تقديم ذاتكَ سيرةً، فعلَ امتنانٍ لمسيرةٍ رافقكَ الله فيها على عدّ خطواتكَ. لكنْ جديرٌ تبيانُ ما تجلّى ممّا قدّمت!

جان إسطا، قلتَ شهادةً. وصدّق عليها كاتب المقدّمة، أحد الأقربين. ونحن، قرّاءَكَ من خارج نشهد: أحببنا. وصلت المرسَلة يا سيّدُ، علّها تفعلَ فعلَها، حيث تفتح لها العنايةُ الطريق! وبتدبير الله، رائعةٌ دومًا الخواتيم، لا محالة!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=112175
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18