• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : ما أكبر الحياة.. وما أصغر القدر .
                          • الكاتب : نزيه كوثراني .

ما أكبر الحياة.. وما أصغر القدر

 * حوار أصم
في اليوم التالي اكتشف رعب المفاجأة ٬وهو يعود إلى الماضي ليوقظ عشقه أو حبه الدفين ٬وتساءل مع نفسه من يحيي الحب وهو رميم. وكيف عاد في لحظة صعبة ليمسك بامرأة في الذاكرة عوض أن يعيش الحياة ٬ويحلم برحابة حب قادم في الأفق وهو يردد في دواخله العميقة أجمل الحب لم يولد بعد . رأى نفسه في المستقبل القادم محفوفا بحب كبير يشمل ليس حبيبته بل أيضا الآخرين .
لامت وعاتبت بشدة نفسها وهي تجد كيانها قد سيجه الانتظار في جبة الماضي منتظرة موت حبيبة زوجها . أن تمضي الحياة نحو أروع الخلق والإبداع وهي متشبثة بأهداب القدر ٬كأن حياتها اختزلت في موت الآخرين وهي تتخيل نفسها قصة لحب على أعتاب قبور هم .
في لحظة صغيرة في الزمن أدرك كل واحد من هما أن القدر جزء من الماضي ٬رابض في الموت ولا شأن له بالحياة٬ ومن ثمة استحالة نبض الحب في هيكل الماضي لان الحياة تحتاج إلى شساعة أفق ينازع الشمس في الشروق ٬لا إلى ذاكرة قبر على رصيف الحب لقدر ليس أكثر من قصة قصيرة . انتفضت الحياة في أعماقهما وهي تفجر زوايا أخرى ظلت معتمة ومتوارية ٬نتيجة استسلامهما لضيق في الرؤية للذات والآخرين والعالم .والآن وهما يكتشفان هذا التعدد الخصب اللانهائي للانا يدركان كم كانت الخسارة كبيرة وهما يخضعان للغة الظروف و القدر ٬وكأن الحياة تحركها صدف عمياء تختار لنا لحظات الفرح القليلة ٬وكما من الأتراح المحبطة للإرادة والمولدة للأحزان والألم .هو قال في دواخله بصمت يشوبه التأمل العميق بأن الحياة الحقيقية لا تنثرها الرياح على الطرقات كأوراق الخريف ٬بل تولد من ألم الذات وهي تخوض معاناة تجربتها على حافة الموت المطلة على عشق الحياة وحب الآخرين .آه كم هو جميل أن تدرك بحرارة جدارة أن تكون إنسانا ٬وكم هو مؤلم أن نقدم بعضنا قرابينا لتفاهة تكرار الحياة المألوفة في الفهم والنظر والتفكير والعلاقات...
كانت تنظر في الأفق البعيد وهي تدرك لأول مرة أن هناك حياة أكثر عمقا من رؤيتها التي كانت لا تتجاوز محيطها الصغير ٬عندها قالت بحسرة لا تخلو من نقد ذاتي كم هو مؤلم إلى درجة الغثيان أن يعيش الإنسان بدون أفق ٬وهو لا يرى أكثر مما يرتسم أمامه . وأردفت بحدة وهي تغير صوتها الداخلي بقسوة في محاسبة الذات ٬الحب الحقيقي لا ينام على سرير الموت ٬وليس كفنا لأحلامنا نحنط فيه الحياة ٬بل انه القادم والآتي والمتجدد باستمرار بعيدا عن غرف الإنعاش و الانتظار . تململت قليلا وهي تغير جلستها كأنها تتحرر من الأفكار القديمة المثقلة بنسيج العنكبوت ..كانت الفرحة تكبر في قلبها وهي تعيد ترتيب الأفكار والمواقف والعلاقات ٬كما غيرت منظورها بنوع من تعدد الزوايا ..فرح غامر يسري في الأعماق وهي تكتشف فرص واختيارات أخرى للحياة تنبع من حب يشهد مخاض الولادة مثل الربيع وهو يفجر الحياة في النبات والأشجار والحيوانات والإنسان والطيور ...
 * إضاءة
هاأنت تعود إلى الكتابة بعد أن تشقق الصمت اللعين .عندما أعدت قراءة ما كتبته لمت نفسك كثيرا لأنك لم تكمل ما كنت قد بدأته. . الغريب في الأمر أنك بعد القراءة صارت لك رؤية أخرى لكل ما سبق .. هكذا أنت دائما ترفض الثبات وتعشق صيرورة الحياة .. اكتشفت شقوقا وثغرات جعلتك بعيدا عن الإبداع الحقيقي . رغم ذلك كنت مصرا على عدم تغيير النص السابق . وهل تستطيع ؟ لعل الفرح القادم قلب تفكيرك ولم تستطع أن تحسم أمر الكتابة . ما كان يصعب عليك هو البداية وبالتحديد كيف يمكن للكتابة أن تستوعب كل هذا الجنون بفرح الحياة ...؟
* تحرر الأصوات
 لاشيء يفسد علي الحياة غير ذاكرتي  فهي عداد لا يتوقف.  . تحاسبني وتستفزني و لها أسئلتها .. كلما جربت الهروب بخيالي الجامح من الهموم والأحزان التي تطوقني اتركها متسللا عبر تخيلاتي نحو عوالم الفرح القادم ٬وأنا لا اطلب أكثر من قطعة من القمر لعبور هذا الليل العنيف . . إلا أنها تفاجئني بصرخاتها ففيها مكمن التباسي وتعثري . أنا الواهم الحالم بالوقوف على الحقيقة . ربما تخلى الإنسان البدائي عن الحياة الخالدة عندما صارت له ذاكرة . وضد حياة ضيعها بدأ يؤله الأشياء ويغزل أساطير السماء لأنه فقد سر الخلود .موتي في ذاكرتي ٬ وأنا العاشق للحياة . ذاكرتي لها أرقام وتواريخ وصور تنشرها أمامي . تنتزعني بسخرية نزقة من هذه الديمومة الأبدية . ألا تخجل يا رجل أن تنسى حبيبة قلبك...؟
 اتهام ذكي كنت أعتقد أنك  اقتحمت حياتي فيما يشبه التسلل وإذا بك تجعلني مندسة في ثناياك ٬لأعتلي  منصة ذاكرتك أو دماغك فجأة كموت أو كماض يتربص بك ٬في وقت لست إلا حضورا ينقل خطواتك في دروب الحياة ٬كحلم يسقط ويسقط إلى أن يدرك سر الحركة وبناء الذات .انهض أيها المدثر بوهم الفرح الكاذب بالقبض على الحياة الأبدية .أورثك استعذاب لذة الأحلام بحرقة الألم حرفة الانتظار .ألست  تذكر ما قالته عجوز البحر حين كنا على الشاطئ بان الأحلام تكره من ينتظرها ٬فهي لا تكف عن دق أجراس عتبات الليل لنغتسل من أحزاننا ونتخلص من توابيت الموت في ذاكرتنا ونجدد أمل لقاءنا بالحياة وحب الحياة في الذين أو اللواتي نحبهم ...
أنا ما اخترت الزوايا المعتمة كما تتوهم ولم أكن محطمة إلا لاكتشف مناطق ظلي٬ وهذه طقوسي لأسبر أغوار الحزن والفشل لانبعث من رماد مرجل الزمن جميلة٬ قوية ٬رائعة في عشق الحياة إلى حد الجنون ٬حيث يكمن سر الجديد والإبداع بعيدا عن هذيان المقابر وعبادة المألوف والقدر .  في الحقيقة أحسدك على تلك الصلابة في المحن وأنت تستمد القوة والحياة من أشياء صغيرة متناثرة بين أقدام غرور الناس ٬في استسلامهم لصناعة الموت والفشل تحت غطاء الظروف وقسمة الحياة .وأنت تداعب الأطفال وتتحول بإصرار إلى طفل صغير وتضحك معهم دون تكلف أو تصنع٬ كنت تتجدد وكان وجهك يفضحك بتقاسيم الفرح ونبض الحياة وهو ينضح على محياك . هذا ما كان ينقصني في امتلاك الجرأة للانضمام والالتحام بعرس الحب وانتم في غمرته وحضرته منتشون . أو حين يأخذك الصمت في بحر أمواجه تمتد عميقا في الأدغال ٬كحطاب ينتقي بعناية ما يصلح لحريق الأيام وهو يتخلص من شوك العوسج...
ما أجد صعوبة في قوله لك مباشرة كرجل شرقي أنهكه ثقل قصص الأجداد ٬في الشهامة والرجولة والمروءة ...أقوله بصدق  من خلال ما سميتيه عرس الحب . آه  لو تدركين حقيقة الحجاب المعتم الذي يحمله الرجل الشرقي في أعماقه فيحول بين القلب ونبضه..حجاب يسقط تجليه على المرأة  بعقدة اضطهاد دفينة ٬مما يجعله اشد كرها وعداوة لكل ما هو جميل وحي . ما كنت قادرا على الحب بغير جراحة نزع رعب الحجاب المخيف . لكي أكون إنسانا  هكذا فقد دفعت ثمنا من لحمي الحي فأحببت الحياة وكرهت القدر ...

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10870
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29