• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ابيع عقلي لأول مشترِي آت .
                          • الكاتب : د . مسلم بديري .

ابيع عقلي لأول مشترِي آت

قبل أيام حدثني شخص عن بائع خمور علق في دكانه بيتا شعريا في برواز أنيق 
(( ذو العقل يشقى في النعيم بعقله     و أخو الجهالة في الظلالة ينعم))
يحمل البيت الشعري فلسفةً كبيرة يبدو ان بائع الخمور عن قصد او عن غيره استغل هذه الفلسفة كترويج دعائي للمشروبات التي يتاجر بها , 
وفي الحقيقة يحمل الأمر مفارقةً جميلة  ومحزنة في آن واحد , حزن يدعوك للتأمل لحظة او لحظات لربط الواقع العراقي الذي يعيشه الأنسان مع فلسفة العقل كنعمة أو كنقمة ,
في مجتمع يغظ حتى رأسه في المفارقات المؤلمة صار الهروب من العقل وسيلة ربما تبدو ناجحة إلى حد ما -  ولا يعني ذلك اننا نؤيد او نعارض هذه الوسيلة بقدر ما نتأمل في ذلك الأمر – للهروب بعيدا 
نلاحظ في هذه الايام هجرة جماعية صوب تعاطي الخمور و من مختلف الفئات العمرية بحثا عن لذة تارة وهروبا من الواقع تارة اخرى 
فقد امتدت هذه الظاهرة لتشمل الاطفال ومن هم دون الوعي التام اصلا 
ولكن اي لذة يقصدها فتى في الثانية عشرة وأي عقل يهرب منه ؟!
هل ما فعله هو احتراز وقائي ضد استفحال خطر عقل قد يكون يوما ما عبء  يزج به زج في هذا الواقع البائس .؟ هل هو تقليد للكبار لا أكثر .؟ هل هو و هل ....؟؟
واي كان فالحصيلة النهائية مؤلمة حقا ,
الحقيقة انما دعاني لكتابة المقال أمر بعيد كل البعد عن الاسباب التي دعت الكثير لنبذ ظاهرة بيع الخمور او معاقرتها او الذين ايدوا الظاهرة فلكل منهم اسباب يستند فيها على آراء تهمه , ولكن المؤلم حقا هو رؤيتي لصبي في الثانية عشرة من عمره أخذ يتعاطى الخمر بشكل شبه مستمر وكان هذا الصبي اذا نوى الشرب , يشرب في مكان يكفل له النقل السريع الى المستشفى او اي مكان يبعد  عنه خطر  المشروب خصوصا بعد النتيجة القاسية التي آل اليها بعد اول تجربة له مع الخمر
وبعيدا عن كون الخمر حرام أو حلال فهذه امور انتهى الجميع منها  ولكن هناك حالة انسانية تدعو للوقوف عندها وتثير تساؤلات عن السبب الحقيقي لهذه الظاهرة وما تتركه 
هجرة جماعية للعقول على اختلاف درجاتها فهي عقول اولا واخيرا , هجرة لأسباب عديدة يجب مراعاتها تماما والتعامل بذكاء معها لضمان البعد عما لا يحمد عقباه
نسب كبيرة جدا ممن هم دون سن البلوغ يشربون الخمر ويعانون من الجرعات معاناة دعت الى التداخل الطبي في كثير من الأحايين , ولكن الغريب في الامر هو انهم جميعا – تقريبا – عادوا  بعدما شفوا من فعل الجرعة الاولى ليتناولوه مرة واخرى والسؤال المحير حقا ما الذي يدعوهم لذلك بعدما عانوا ما عانوا هل يعرفون لذة ؟ هل يهربون من عقل ! 
وبين كل ما حدث وما قد يحدث  تبقى الانسانية هي الخاسر الاكبر والاول امام الظاهرة التي سعت محاولات لمعالجتها ولكن يبدو  ومن خلال الواقع انها  غير مجدية اطلاقا , فلا اعرف هل اجدى منع بيع الخمور في كسب الموازنة امام معاقرتها فيقال تزداد ظاهرة تعاطي الخمور بشكل طردي حسب متوالية عجيبة مع ظاهرة المنع , اذن هنالك واقع مر يجب معاينته ومعالجته وهذا امر لم يحدث مما جعل ظاهرة منع بيع الخمور غير مجدية 
فالواقع يحتاج الى تغير جذري ابتداء من الانسان وانتهاء بالإنسان 
والامر الاهم هو الخشية من ان يصبح الانسان السوي بين الثملين كالعاقل بين مجانين , او كالمجنون بين عقلاء فكلاهما سوف يضطر لمجاراة الواقع و ينحى صوب احد الطرفين وحسب الميزان العددي , ويصبح الخمر هو نهر الجنون الذي ذُكر في الروايات والقصص ذلك النهر الذي قصده اهل المدينة البائسة هروبا من التفكير في الواقع المر  وهروبا معهودا من جانب الانسان العربي الذي يعجز في اغلب الاحيان من ايجاد الحلول لملمات حياته وخطوبها فيهرب منها تاركا معها جوهرة العقل  ....



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10824
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28