• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : الحوار المعاصر الدورة الخاصة بالشبهات حول الاجتهاد والتقليد (الحلقة الرابعة)  .
                          • الكاتب : السيد محمد حسين العميدي .

الحوار المعاصر الدورة الخاصة بالشبهات حول الاجتهاد والتقليد (الحلقة الرابعة) 

أنواع الاجتهاد والتقليد في الفقه عند المسلمين
تقدم في الحلقة السابقة ان هنالك مدرستان في الاجتهاد الفقهي عند المسلمين، مدرسة جمهور المسلمين، ومدرسة أهل البيت عليهم السلام.
وفي مدرسة جمهور المسلمين شكلان من الاجتهاد كلاهما مقبول عندهم، وهما: 
الشكل الأول: الاجتهاد مقابل النص، وهو أن يكون هنالك حكم شرعي في زمن النبي صلى الله عليه وآله، ويأتي أحد الخلفاء فيلزم الناس بحكم آخر يخالف ما كان متعارفا في زمن النبي صلى الله عليه وآله.
الشكل الثاني: الاجتهاد وفق قاعدة القياس، وهو أن يأتي الفقيه فيستخرج علة للحكم من غير ان يوجد نص فيها، وانما هو يفتي بحسب رأيه واجتهاده. 

وقلنا إن كلا هذين الشكلين للاجتهاد في الفقه باطل عند أئمة أهل البيت عليهم السلام، ووفقا لهذا فقد ذهب جميع فقهاء الشيعة الى بطلان هذين الشكلين من الاجتهاد عندهم، وعندهم أن تقليد الفقهاء الذين يستنبطون الأحكام الفقهية على وفقهما غير جائز، وفيما يلي بعض الأمثلة على هذين النوعين:

الأمثلة 
الشكل الأول: الاجتهاد في مقابل النص.
النموذج الأول: صلاة التراويح
كانت صلاة النوافل في زمن النبي صلى الله عليه وآله يصليها الناس على شكل فرادى، وفي زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب دخل الخليفة الى المسجد ورأى الناس بين قائم وراكع وساجد، فلم يحبذ هذا المنظر، فأمر الناس بأن يصلوا هذه النوافل جماعة، وطبعا هذا أمر حادث لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وآله.
وقد حاول أمير المؤمنين عليه السلام إعادة كيفية صلاة النوافل الى ما كانت عليه في زمن النبي صلى الله عليه وآله في مسجد الكوفة ومنع اقامتها جماعة في زمن خلافته، لكن الناس رفضوا ذلك وقالوا انها سنة سنها عمر ولا نتركها.

النموذج الثاني: الطلاق
من الاحكام الشرعية القرآنية أن الذي يطلق زوجته ثلاثا فلا يجوز ان ترجع الى زوجها الأول الا ان تنكح زوجا آخر، فان طلقها زوجها جاز ان ترجع الى زوجها بعقد جديد.
وبعض الناس قد يطلقون نسائهم في مجلس واحد ثلاث مرات، فهل يعد هذا طلاقا واحدا ام أنه ثلاث طلقات فلا يجوز ان ترجع الى زوجها مالم تنكح زوجا آخر ويطلقها.
 كان الحكم في زمن النبي صلى الله عليه وآله أن الطلاق ثلاث مرات في مجلس واحد هو بمثابة طلاق واحد، ولكن الخليفة الثاني رأى أن الطلاق قد كثر في المجتمع فحكم أن من طلق زوجته ثلاث مرات ولو في مجلس واحد فلا ترجع الى زوجها ما لم تنكح زوجا آخر.
فهذا اجتهاد من الخليفة الثاني في مقابل قول النبي صلى الله عليه وآله، ومثل هذا الاجتهاد مقبول عند العامة ومرفوض عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام أئمة وفقهاء.

النموذج الثالث: متعة الحج
أمر النبي صلى الله عليه وآله الناس في العام الذي حج فيه وبعد أن أدوا العمرة أن يحلوا من احرامهم انتظارا الى أيام الحج، وقد اعترض بعض الصحابة على ذلك، لأنهم لم يعتادوا على ذلك في زمن الجاهلية فأنهم في الجاهلية كانوا لا يحلون من احرامهم الا بعد ان ينهوا الحج.
فمما روي في تلك الحادثة: (فلما فرغ – أي النبي صلى الله عليه وآله - من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن هذا جبرئيل ـ وأومأ بيده الى خلفه ـ يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحل ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثلما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله.
فقال له رجل من القوم: لنخرجن حجاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر، فقال له رسول الله: أما إنك لن تؤمن بهذا أبداً.
فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني: يا رسول الله علمنا ديننا كأننا خلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟
فقال له رسول الله: بل هو للأبد الى يوم القيامة ثم شبك أصابعه وقال: دخلت العمرة بالحج الى يوم القيامة). 

وقد منع الخليفة الثاني متعة الحج هذه ومتعة النساء التي شرعهما القرآن وكان معمولا بهما في زمن النبي صلى الله عليه وآله وقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى وأعاقب عنهما.

وستجد أخي الكريم الموارد التي خالف فيها الخلفاء الأوائل النبي صلى الله عليه وآله واجتهدوا فيما يخالف النص في كتاب النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين اعلى الله مقامه في الرابط التالي: http://shiaweb.org/books/nas_ejtehad/index.html


الشكل الث اني من الاجتهاد الباطل هو العمل بالقياس 
من الأمور التي اعتمد عليها فقهاء العامة وبسبب عدم توفر النصوص عندهم عن الكثير من الاحكام بسبب انقطاع زمن النص مع وفاة النبي صلى الله عليه وآله هي طريقة القياس لاستنباط الاحكام الشرعية، وهو ان يجتهد الفقيه رأيه في استخراج علة للحكم فيقيس عليها ويفتي بأحكام مماثلة مما لا نص فيه. 
وقد رفض أهل البيت عليهم السلام هذا الطريق ونهوا عن العمل به وجاءت بذلك روايات كثيرة، وقد التزم جميع فقهاء الشيعة الا ما شذ وندر بهذا الأمر، فعندهم القياس باطل والحكم المستنبط على وفق القياس لا يجوز العمل به ولا يجوز تقليد الفقهاء الحاكمين على وفقه.

مثال على القياس عند فقهاء العامة: الزكاة في المزروعات
فرض الله تعالى الزكاة على جملة من الموارد منها الغلات الزراعية الأربعة التمر والزبيب والحنطة والشعير، وهذا كان هو المعمول به في زمن النبي صلى الله عليه وآله.

وقد قام فقهاء المذاهب الأربعة عند عامة المسلمين باستنباط العلة من جعل الزكاة في هذه الأربعة، فرأى كل مذهب رأيه في أن العلة هي كذا أو كذا، ثم قاسوا على تلك العلة وضموا مواد أخرى لزكاة الغلات الزراعية.

فذهب الشافعية الى أن العلة هي أن هذه الأربعة (التمر والزبيب من الثمار والحنطة والشعير من الحبوب) هي أنها من القوت عند الناس اختيارا، فرأوا أن العلة هي القوت وقاسوا على ذلك فجعلوا كل ما يقتاته الانسان عليه الزكاة، كالذرة والعدس والحمص والفول والدخن.

وذهب الحنابلة الى ان العلة في جعل الزكاة على هذه الأربعة التمر والزبيب والحنطة والشعير هي أنها مما يدخر، أي يخزنه الانسان فيستعمله في غير موسم زراعته، فقاسوا على هذه العلة فجعلوا كل ما يدخره الناس من الزرع عليه الزكاة وان كان مما لا يؤكل.
أما المالكية فقد حددوا عشرين نوعا من المزروعات تجب فيها الزكاة.
وذهب الحنفية الى أن العلة هي الإخراج من الأرض بالزراعة، فكل ما أخرجته الأرض من الثمار والزرع فعليه الزكاة الا الحطب والحشيش والقصب.

وهكذا تجد أن كل مذهب من هذه المذاهب عند عامة المسلمين قد اجتهد رأيه في معرفة العلة في جعل الزكاة في المزروعات، فأخذ تلك العلة التي ظنها أنها هي علة الزكاة وقاس عليها وجعل حكم الزكاة على وفقها.

أما الامامية فرأيهم هو الاقتصار على الأربعة التي حددها النبي صلى الله عليه وآله وعندهم أن العلة هي في علم الله تعالى، ومع عدم وجود نص صريح يحدد علة الزكاة في هذه الأربعة فنحن لا صلاحية لنا أن نخمن علة من عندنا ونقيس عليها ونوسع من الحكم.

نهي الائمة عليهم السلام عن الإفتاء بالرأي والقياس
وردت روايات عديدة عن الائمة عليهم السلام في النهي عن القياس الذي كان متعارفا عند فقهاء العامة، من قبيل قول الامام الصادق عليه السلام: والله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا، وتصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين الله عز وجل، ما جعل الله لأحد خيرا في خلاف أمرنا.
وما عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله (ولا سنته) فننظر فيها؟ 
فقال: لا، أما أنك إن أصبت لم توجر، وإن أخطأت كذبت على الله. 
وما عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم.
وما عن علي (عليه السلام) - في حديث الأربعمائة - قال: علموا صبيانكم (من علمنا) ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها، ولا تقيسوا الدين، فان من الدين ما لا يقاس، وسيأتي أقوام يقيسون فهم أعداء الدين، وأول قاس إبليس، إياكم والجدال فإنه يورث الشك، ومن تخلف عنا هلك.
وما عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) - في حديث الخضر ( عليه السلام ) - أنه قال لموسى ( عليه السلام ) : إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره - إلى أن قال : ثم قال جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس ، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك ، إن أول معصية ظهرت من إبليس اللعين حين أمر الله ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا وأبى إبليس أن يسجد فقال: أنا خير منه فكان أو كفره قوله : أنا خير منه ثم قياسه بقوله : خلقتني من نار وخلقته من طين ، فطرده الله عن جواره ولعنه وسماه رجيما وأقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار.
وما عن أبي شيبة الخراساني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس فلم تزدهم المقائيس من الحق إلا بعدا وإن دين الله لا يصاب بالمقائيس.
وما عن محمد بن حكيم قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به؟ فقال هيهات هيهات، في ذلك والله هلك من هلك يا ابن حكيم، ..... قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم: والله ما أردت إلا أن يرخص لي في القياس.

ملاحظة: قد استخدم المدعي مع الأسف هذه الروايات في استدلاله على النهي عن تقليد فقهاء الشيعة، مع ان هذه الروايات كما هو ظاهر جاءت للنهي عما عليه فقهاء العامة من استعمال القياس في الفقه، ولا تنطبق على فقهاء الشيعة لأن فقهاء الشيعة لا يعملون بالقياس والقياس عندهم باطل بالإجماع، وسيأتي في حلقة خاصة مناقشة هذه التي ذكرها المدعي الروايات واحدة تلو الاخرى إن شاء الله تعالى.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=104911
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28