• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : اراء لكتابها .
                    • الموضوع : نقد محاضرات احمد القبانجي حول الهيرمنيوطيقا والالسنيات والتفسير الوجداني – ج1 .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

نقد محاضرات احمد القبانجي حول الهيرمنيوطيقا والالسنيات والتفسير الوجداني – ج1

 بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ((قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ. قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)). صدق الله العلي العظيم.
 
ثلاث محاضرات استهدف احمد القبانجي فيها اثارة التشكيكات في العقيدة الاسلامية عامة وفي التفاسير الاسلاميـة للقرآن الكريم خاصة وحاول عاجزاً ايجاد بديل للتفسيـر الاسلامـي للقرآن الكريم دون جدوى بل نجده قد وقع في المزيد من التناقضات. 
ثلاث محاضرات حول الهيرمنيوطيقا والالسنيات والتفسير الوجداني عجز فيهن جميعاً ان يقدم بديلاً مقبولاً للتفسير المذكور ! بل لم يقدم فهماً صحيحاً لبعض هذه المصطلحات نفسها !! فوقع في تناقضات واخطاء عديدة ونسب لهذه العلوم ما ليس منها !!
 
معنى الهيرمنيوطيقا:
تعني كلمة الهرمينوطيقا l'herméneutiqe علم او فن التاويل واذا اردنا ان نستخدم عبارة ادق استناداً الى شلايرماخر Schleiermacher نجد انها تعني "فن امتلاك كل الشروط الضرورية للفهم" ويقول غادامير: (يعترف شلايرماخر بالهيرمينوطيقا على انها فن تفادي عدم الفهم. طبعاً لا يتعلق هنا الامر بوصف خاطيء تماماً للنشاط التأويلي: عزل او استبعاد ـ وفق تفكير منهجي ومحكم ـ ما هو غريب ويؤدي الى عدم الفهم والقادم من تخوم الزمن وتبدلات العادات الالسنية وتحول دلالة العبارات وانماط التفكير) .
ويعود استخدام هذا المصطلح للدلالة على هذا المعنى الى سنة 1654م . وهناك من يترجمها "علم التأويل" و"نظرية التاويل" و"التاويلية" و"نظرية التفسير" واخيراً تعريب نصر حامد ابو زيد الهيرمنيوطيقا . ويقول محمد شوقي الزين: (أننا ترجمنا كلمة (Herméneutique) بـ فن التأويل تمييزاً لها عن التأويل بمعنى (interprétation) والعلة في ذلك سنذكرها في معرض تحليلنا لهذه الكلمة. الملاحظ أن البعض يفضل تعريبها بـ علم التأويل ويفضل البعض الآخر تعريبها بـ هيرمينوطيقا لأنها أقرب إلى روح الكلمة نفسها مثلما نقول ميتافيزيقا وفينومينولوجيا وبيولوجيا…) .
 
معنى التأويل في الفكر الاسلامي:
اختلـف المفسرون المسلمون في معنـى التأويـل على اربعة معاني:
الاول: (فسر قوم من المفسرين التأويل بالتفسير وهو المراد من الكلام وإذ كان المراد من بعض الآيات معلوما بالضرورة كان المراد بالتأويل على هذا من قوله تعالى " وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية هو المعنى المراد بالآية المتشابهة فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابهات على هذا القول لغير الله سبحانه أو لغيره وغير الراسخين في العلم) . 
الثاني: (وقالت طائفة اخرى أن المراد بالتأويل هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ وقد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقه ثانية فيه بعد ما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الارجاع أو المرجع . وكيف كان فهذا المعنى هو الشائع عند المتأخرين  كما أن المعنى الاول هو الذي كان شائعا بين قدماء المفسرين سواء فيه من كان يقول إن التأويل لا يعلمه إلا الله ومن كان يقول إن الراسخين في العلم أيضا يعلمونه كما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول : أنا من الراسخين في العلم وأنا أعلم تأويله) . 
الثالث: (وذهب طائفة اخرى إلى أن التأويل معنى من معاني الآية لا يعلمه إلا الله تعالى أو لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم مع عدم كونه خلاف ظاهر اللفظ فيرجع الامر إلى أن للآية المتشابهة معاني متعددة بعضها تحت بعض منها ما هو تحت اللفظ يناله جميع الافهام ومنها ما هو أبعد منه لا يناله إلا الله سبحانه أو هو تعالى والراسخون في العلم . وقد اختلفت أنظارهم في كيفية ارتباط هذه المعاني باللفظ فإن من المتيقن أنها من حيث كونها مرادة من اللفظ ليست في عرض واحد وإلا لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد وهو غير جائز على ما بين في محله فهي لا محالة معان مترتبة في الطول فقيل إنها لوازم معنى اللفظ إلا أنها لوازم مترتبة بحيث يكون للفظ معني مطابقي وله لازم وللازمه لازم وهكذا وقيل إنها معان مترتبة بعضها على بعض ترتب الباطن على ظاهره فإرادة المعنى المعهود المألوف إرادة لمعنى اللفظ وإرادة لباطنه بعين إرادته نفسه كما أنك إذا قلت اسقني فلا تطلب بذاك إلا السقي وهو بعينه طلب للارواء وطلب لرفع الحاجة الوجودية وطلب للكمال الوجودي وليس هناك أربعة أوامر ومطالب بل الطلب الواحد المتعلق بالسقي متعلق بعينه بهذه الامور التى بعضها في باطن بعض والسقي مرتبط بها ومعتمد عليها) . 
الرابع: (وهو أن التأويل ليس من قبيل المعاني المرادة باللفظ بل هو الامر العيني الذي يعتمد عليه الكلام فإن كان الكلام حكما إنشائيا كالامر والنهي فتأويله المصلحة التي توجب إنشاء الحكم وجعله وتشريعه فتأويل قوله أقيموا الصلاة مثلا هو الحالة النورانية الخارجية التي تقوم بنفس المصلي في الخارج فتنهاه عن الفحشاء والمنكر وإن كان الكلام خبريا فإن كان إخبارا عن الحوادث الماضية كان تأويله نفس الحادثة الواقعة في ظرف الماضي كالآيات المشتملة على أخبار الانبياء والامم الماضية فتأويلها نفس القضايا الواقعة في الماضي وإن كان إخبارا عن الحوادث والامور الحالية والمستقبلة فهو على قسمين فإما أن يكون المخبر به من الامور التي تناله الحواس أو تدركه العقول كان أيضا تأويله ما هو في الخارج من القضية الواقعة كقوله تعالى وفيكم سماعون لهم " التوبة - 47 وقوله تعالى " غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " الروم - 4 وإن كان من الامور المستقبلة الغيبية التي لا تناله حواسنا الدنيوية ولا يدرك حقيقتها عقولنا كالامور المربوطة بيوم القيامة ووقت الساعة وحشر الاموات والجمع والسؤال والحساب وتطائر الكتب أو كان مما هو خارج من سنخ الزمان وإدراك العقول كحقيقة صفاته وأفعاله تعالى فتأويلها أيضا نفس حقائقها الخارجية . والفرق بين هذا القسم أعنى الآيات المبينة لحال صفات الله تعالى وأفعاله وما يلحق بها من أحوال يوم القيامة ونحوها وبين الاقسام الاخر أن الاقسام الاخر يمكن حصول العلم بتأويلها بخلاف هذا القسم فإنه لا يعلم حقيقة تأويله إلا الله تعالى نعم يمكن ان يناله الراسخون في العلم بتعليم الله تعالى بعض النيل على قدر ما تسعه عقولهم وأما حقيقة الامر الذي هو حق التأويل فهو مما استأثر الله سبحانه بعلمه . فهذا هو الذي يتحصل من مذاهبهم في معنى التأويل وهي أربعة) .
غير ان السيد الطباطبائي ذكر معنى آخر للتأويل فقال: (أن الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم أو موعظة أو حكمة وأنه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها وأنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالالفاظ بل هي من الامور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الالفاظ وإنما قيدها الله سبحانه بقيد الالفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب فهى كالامثال تضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح بحسب ما يناسب فهم السامع كما قال تعالى " والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في ام الكتاب لدينا لعلى حكيم " الزخرف - 4 وفي القرآن تصريحات وتلويحات بهذا المعنى. على أنك قد عرفت فيما مر من البيان أن القرآن لم يستعمل لفظ التأويل في الموارد التي استعملها وهي ستة عشر موردا على ما عدت إلا في المعنى الذي ذكرناه) .
 
خطأ احمد القبانجي في رفض التأويل:
يتعلق علم الهيرمنيوطيقا بفهم النصوص البشرية الادبية وغيرها ، ورغم ان القرآن الكريم هو ليس نصاً بشرياً بل هو كلام الله سبحانه الا ان احمد القبانجي جحد ذلك وروّج لفهم آيات القرآن الكريم من خلال الهرمينوطيقا واعلن رفضه لكل تأويل مطلوب لفهم حقيقي للقرآن الكريم ! وقد سبق ان بيّنا ان التاويل الذي يقصده احمد القبانجي هو (المعنى المخالف لظاهر اللفظ). فهل الهيرمنيوطيقا غبية لكي ترفض أي تأويل !! فعلى سبيل المثال نقرأ قول الشاعر: 
عيون المها بين الرصافة والجسر        جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري
فهل يريد احمد القبانجي ان يلوي عنق الهيرمنيوطيقا لتفهم هذا البيت الشعري بأنه غزل بظبي او بقرة !! 
ومثال آخر هو قوله تعالى: ((وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُوراً)) فهذه الآية الكريمة لا يمكن فهمها الا اذا قلنا بان كلمة (ضل) تعني غاب وليس بمعنى الضلال ، وهذا ما يرفضه منهج احمد القبانجي !!
وفي الحقيقة فان الهيرمنيوطيقا لا تمنع التأويل كما يروّج احمد القبانجي لها بسبب فهمه الخاطيء لها ! فهذا غادامير يقول في كتابه (فلسفة التأويل): (نتحدث عن التأويل عندما لا يمكن فهم دلالة النص فوراً فالتأويل في هذه الحالة ضروري) . ويقول ايضاً: (التأويل كما نفهمه اليوم ينطبق ليس فقط على النصوص أو التراث الشفهي وإنما أيضاً على كل ما وصل الينا عبر التاريخ: لنتكلم مثلا عن تأويل حدث تاريخي او ايضاً عن تاويل العبارات الروحانية ، عبارات الهيئة ، تأويل سلوك معين ، الخ) . اذن هناك سوء فهم من قبل احمد القبانجي للهيرمنيوطيقا وان ما تحدث عنها في محاضرته هو فهم خاطيء لها يقود الى اشكالات حقيقية قد بيّنا بعضها بالامثلة آنفاً.
 
خطأ تفسير كلام الله سبحانه بالهيرمنيوطيقا:
قال السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان: (وبالجملة فالمتحصل من الروايات والآيات التي تؤيدها كقوله تعالى أ فلا يتدبرون القرآن الآية وقوله تعالى " الذين جعلوا القرآن عضين " الحجر - 91 وقوله تعالى " إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة" الآية ، حم السجدة - 40 وقوله تعالى " يحرفون الكلم عن مواضعه " النساء - 46 وقوله تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم " أسرى - 36 إلى غير ذلك أن النهى في الروايات إنما هو متوجه إلى الطريق وهو أن يسلك في تفسير كلامه تعالى الطريق المسلوك في تفسير كلام غيره من المخلوقين . وليس اختلاف كلامه تعالى مع كلام غيره في نحو استعمال الالفاظ وسرد الجمل وإعمال الصناعات اللفظية فإنما هو كلام عربي روعي فيه جميع ما يراعى في كلام عربي وقد قال تعالى " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " إبراهيم - 4 وقال تعالى " وهذا لسان عربي مبين " النحل - 103 وقال تعالى " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " الزخرف - 3 . وإنما الاختلاف من جهة المراد والمصداق الذي ينطبق عليه مفهوم الكلام . 
توضيح ذلك : أنا من جهة تعلق وجودنا بالطبيعة الجسمانية وقطوننا المعجل في الدنيا المادية ألفنا من كل معنى مصداقه المادي واعتدنا بالاجسام والجسمانيات فإذا سمعنا كلام واحد من الناس الذين هم أمثالنا يحكي عن حال أمر من الامور وفهمنا منه معناه حملناه على ما هو المعهود عندنا من المصداق والنظام الحاكم فيه لعلمنا بأنه لا يعني إلا ذلك لكونه مثلنا لا يشعر إلا بذلك وعند ذلك يعود النظام الحاكم في المصداق يحكم في المفهوم فربما خصص به العام أو عمم به الخاص أو تصرف في المفهوم بأي تصرف آخر وهو الذي نسميه بتصرف القرائن العقلية غير اللفظية . مثال ذلك أنا إذا سمعنا عزيزا من أعزتنا ذا سؤدد وثروة يقول وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وتعقلنا مفهوم الكلام ومعاني مفرداته حكمنا في مرحلة التطبيق على المصداق أن له أبنية محصورة حصينة تسع شيئا كثيرا من المظروفات فان الخزانة هكذا تتخذ إذا اتخذت وأن له فيها مقدارا وفرا من الذهب والفضة والورق والاثاث والزينه والسلاح فإن هذه الامور هي التى يمكن أن تخزن عندنا وتحفظ حفظا وأما الارض والسماء والبر والبحر والكوكب والانسان فهي وإن كانت أشياء لكنها لا تخزن ولا تتراكم ولذلك نحكم بأن المراد من الشئ بعض من أفراده غير المحصورة وكذا من الخزائن قليل من كثير فقد عاد النظام الموجود في المصداق وهو أن كثيرا من الاشياء لا يخزن وأن ما يختزن منها إنما يختزن في بناء حصين مأمون عن الغيلة والغارة أوجب تقييدا عجيبا في إطلاق مفهوم الشئ والخزائن . ثم إذا سمعنا الله تعالى ينزل على رسوله قوله " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه " الحجر - 21 فإن لم يرق أذهاننا عن مستواها الساذج الاولي فسرنا كلامه بعين ما فسرنا به كلام الواحد من الناس مع أنه لا دليل لنا على ذلك البتة فهو تفسير بما نراه من غير علم . وإن رقت أذهاننا عن ذلك قليلا وأذعنا بأنه تعالى لا يخزن المال وخاصة إذا سمعناه تعالى يقول في ذيل الآية : وما ننزله إلا بقدر معلوم ويقول أيضا : " وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الارض بعد موتها " الجاثية - 5 ، حكمنا بأن المراد بالشئ الرزق من الخبز والماء وأن المراد بنزوله نزول المطر لانا لا نشعر بشئ ينزل من السماء غير المطر فاختزان كل شئ عند الله ثم نزوله بالقدر كناية عن اختزان المطر ونزوله لتهيئة المواد الغذائية وهذا أيضا تفسير بما نراه من غير علم إذ لا مستند له إلا أنا لا نعلم شيئا ينزل من السماء غير المطر والذي بأيدينا هيهنا عدم العلم دون العلم بالعدم . وإن تعالينا عن هذا المستوى أيضا واجتنبنا ما فيه من القول في القرآن بغير علم وأبقينا الكلام على إطلاقه التام وحكمنا أن قوله " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه " يبين أمر الخلقة غير أنا لما كنا لا نشك في أن ما نجده من الاشياء المتجددة بالخلقة كالانسان والحيوان والنبات وغيرها لا تنزل من السماء وإنما تحدث حدوثا في الارض حكمنا بأن قوله : وإن من شئ إلا عندنا خزائنه ، كناية عن مطاوعة الاشياء في وجودها لارادة الله تعالى وأن الارادة بمنزلة مخزن يختزن فيه جميع الاشياء المخلوقة وإنما يخرج منه وينزل من عنده تعالى ما يتعلق به مشيته تعالى وهذا أيضا كما ترى تفسير للآية بما نراه من غير علم إذا لا مستند لنا فيه سوى أنا نجد الاشياء غير نازلة من عند الله بالمعنى الذي نعهده من النزول ولا علم لنا بغيره . وإذا تأملت ما وصفه الله تعالى في كتابه من أسماء ذاته وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله والقيامة وما يتعلق بها وحكم أحكامه وملاكاتها وتأملت ما نرومه في تفسيرها من إعمال القرائن العقلية وجدت أن ذلك كله من قبيل التفسير بالرأي من غير علم وتحريف لكلمه عن مواضعها ، وقد تقدم في الفصل الخامس من البحث في المحكم والمتشابه  أن البيانات القرآنية بالنسبة إلى المعارف الالهية كالامثال أو هي أمثال بالنسبة إلى ممثلاتها وقد فرقت في الآيات المتفرقة وبينت ببيانات مختلفة ليتبين ببعض الآيات ما يمكن أن يختفي معناه في بعض ولذلك كان بعضها شاهدا على البعض والآية مفسره للآية ولولا ذلك لاختل أمر المعارف الالهية في حقائقها ولم يمكن التخلص في تفسير الآية من القول بغير علم على ما تقدم بيانه . ومن هنا يظهر أن التفسير بالرأي كما بيناه لا يخلو عن القول بغير علم كما يشير الحديث النبوي السابق : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) . 
فيتبين لنا بوضوح ان كلام الله سبحانه في القرآن الكريم ليس ككلام البشر فلا يمكن تفسيره وفق قواعد الهيرمنيوطيقا ، وا ذا تمكن البعض من اعمال قواعد الهيرمنيوطيقا في الكتب المقدسة في الديانات الاخرى فذلك لا يعني ان ذلك يصلح ايضاً في القرآن الكريم لأن طبيعة تلك الكتب وكيفية كتابتها تختلف عن القرآن الكريم حيث لا يخفى علينا ان علماء اليهودية والمسيحية يقولون ان اسفار الكتب المقدسة انما كتبت من قبل اشخاص اقصى ما وصفوهم به هو انهم كتبوها بإلهام وذلك الالهام لا يعني ان يصبح ما كتبوه هو كلام الله تعالى بل يمكن ان يقال ان المعنى إلهي ـ بحسب عقيدتهم ـ ولكن اللفظ والسياق وتركيب الجمل وكيفية الوصول للمعنى كله بشري ، وهم يعترفون بأن لكل سفر اسلوبه في الكتابة من حيث الانشاء والبناء النثري المرتبط بالفترة التاريخية التي كتب بها والمجتمع الذي كان يعيشه الكاتب ، اما القرآن الكريم الذي نزل بفترة زمنية قصيرة وفي مجتمع واحد هو مجتمع شبه الجزيرة العربية فهو ليس من تأليف البشر بل هو كلام الله سبحانه الذي خلقه وانزله بواسطة جبريل الامين (عليه السلام) على رسوله الامين محمد (صلى الله عليه وآله) والذي بدوره اوصله وبلغه للبشر بدون اي تغيير فلم يكن يحق لرسول الله (صلى الله عليه وآله) اي اضافة او تغيير فيما يبلّغه من آيات القرآن ، وفي هذا الصدد يخبرنا الله سبحانه في القرآن الكريم قوله تعالى: ((وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتّقِينَ)) ، صدق الله العلي العظيم. 
فلا يمكن ان يفسر القرآن الكريم وفق قواعد الهيرمنيوطيقا لمجرد ان ذلك امكن في الاسفار اليهودية او المسيحية. وما نقلناه عن السيد الطباطبائي (رضوان الله عليه) آنفاً لهو خير بيان في أمتناع التفسير الهيرمنيوطيقي للقرآن الكريم.

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : مهند البراك ، في 2011/10/16 .

جزاكم الله كل خير


• (2) - كتب : عراقي ، في 2011/10/16 .

لا اله الا الله
شكرا للاخ الكاتب على هذا الرد الموجع



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10382
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28