• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع :  وَلا بَعْدَ [٥٠٠] سَنَةٍ!   [٣] .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

 وَلا بَعْدَ [٥٠٠] سَنَةٍ!   [٣]

  والسُّؤال؛ أَينَ الخَللُ؟! ومَن هو مكمنُ العُقدةِ في هذا الموضوعِ المهمِّ والخطير؟! عند الجيلِ القديمِ؟! أَم عند الجيلِ الجديد؟! أَم عند كليهِما؟!.
   من خلالِ خبرتي الطَّويلة أَعتقدُ أَنَّ المشكلةَ في الاثنَين! الجيلُ القديمُ والجيلُ الجديدُ!.
   بالنِّسبةِ للجيلِ القديمِ فلأَنَّهُ عاش ظروفاً أَمنيَّةً صعبةً ولذلك فهو لا يثقُ بأَحدٍ من الجيلِ الجديدِ ولهذا السَّبب هو لا يفكِّرُ في أَن يُفضي بأَسرار التَّجربة أَو ما نُسمِّيهِ بسرِّ المهنةِ للجيلِ الجديدِ خوفاً عليها من أَن يتُمَّ تسريبها لأَحدٍ خاصَّةً في ظلِّ الصِّراعات الحزبيَّة والسياسيَّة الفجَّة التي يعيشها الفُرقاء في السُّلطة والعمليَّة السِّياسيَّة برُمَّتِها!.
   ولأَنَّ الجيل القديم عاشَ تفاصيل التَّنافس مع بعضهِ حتَّى داخل التَّنظيم الواحد لدرجةِ الانشقاقات والإقالات التي تُدبَّر بمُؤامراتٍ تُحاكُ في اللَّيلِ ولذلك يخشى هذا الجيلُ أَن ينقلَ تجربتهُ لأَحدٍ خوفاً من التَّنافس وبالتَّالي الإقالة أَو الإزاحة!.
   ولا ننسى كذلك دور تشبُّث الجيل القديم بمواقعهِ بسبب التَّربية الحزبيَّة السيِّئة والواقع السِّياسي المريض ولذلك لا يفكِّرُ أَبداً في أَن ينقلَ تجربتهُ لأَحدٍ! حتَّى باتَ المُخضرمونَ سقوفاً للنشء الجديدِ من الصَّعبِ جدّاً إِختراقَها!.
   أَمَّا اذا كانَ الحزبُ أَو التَّيارُ السِّياسي [صِناعةٌ عائليَّةٌ] فالتَّجربةُ والخبرةُ تظلُّ في صندوقِ الأُسرة يتمُّ تداولَها بين الآباءِ والأَبناء والأَحفادِ فتظلُّ حِكراً عليهِم! أَمَّا القاعدة فشغلُها الوحيد هو التَّمجيد والتَّصفيق واتِّباعِ الزَّعيم بِلا نقاشٍ! والذي يسوقها كراعٍ يهشُّ على غنمهِ في المرعى أَو في حضيرة الحيواناتِ!. 
   وقبلَ كلَّ هذه الأَسباب فانَّ من طبيعتِنا أَن ينظر كبير العُمُرِ إِلى الذي هو أَصغرُ مِنْهُ بالعينِ الصَّغيرةِ مهما كبُر ونما! وبدت مِنْهُ علامات النُّضج والذَّكاء والوعي والنَّباهة! فالولدُ في الأُسرةِ يظلُّ [زعطوطاً] في نظرِ والدَيهِ حتَّى إِذا تزوَّج وأَصبحَ أَباً ورُبَّما جَدّاً لَهُ عدَّة أَحفاد!.
   يظلُّ الجيل القديم ينظر إِلى النَّشءِ الجديد كونهُم [زعاطيط] في السِّياسة وأَطفال في العمل الحِزبي مهما كبروا ونمُوا وتعلَّموا وأَبدعوا ونبغوا ولذلك لا يُفكِّر في أَن ينقل لَهُ التَّجربة! خاصَّةً إِذا كان الجيلُ الذي سبقهُ في العملِ مازالَ ينظرُ إِليهِ بهذهِ الطَّريقة!.
   أَمَّا الجيلُ الجديدُ فمشكلتهُ أَنَّهُ مستعجلٌ فيحاولُ إِختزال الزَّمن وحرق المراحِل ليحلَّ محلِّ الجيل القديم! حتَّى قبلَ أَن يتعلَّم فاذا قرأَ كِتاباً أَو كتابَينِ أُعجبَ بنفسهِ وظنَّ أَنَّ عودهُ قد صَلُبَ وأَنَّ ساعدهُ قد اشتدَّ! فيبدأ يرمي الآخرين بسهامِ العُجبِ أَو الغدرِ! أَلأَمرُ الذي لا يساعدهُ على النُّضج بشَكلٍ سليمٍ وانسيابيٍّ!.
   هنا أَتمنَّى على مثلِ هذه النَّماذج أَن تتَّخذَ من قولِ الامامِ جعفرِ بن محمَّد الصَّادق (ع) الحكمة جرسُ إِنذارٍ يُنبِّههُم إِلى الحقيقةِ ليَفيقوا من سكرةِ العُجبِ! يقولُ (ع) {لا يَطْمَعنَّ القليلُ التَّجرِبةِ المُعْجَبُ برأيِهِ في رِئاسةٍ}.
   وصدقَ الامامُ الجَوادُ (ع) عندما أَوصى بهذا الصَّددِ قائلاً {إِتَّئِد تَصِبْ أَو تَكَدْ} أَي تمهَّل وترزَّن فيهِ وتأَنَّى وتثبَّت.
   كما أَن ظنَّهم بأَنَّ المديح والثَّناء والطَّبطبة على الظَّهرِ من قِبَلِ بعضِ المتملِّقين من الجيلِ القديمِ ليُنافسوا بهم الآخرينَ أَو لحاجتهِم لهم للتَّصفيقِ! هو دليلُ نضجهِم وكفاءتهِم! فهذا خطأٌ فاحشٌ آخرَ يقعُ فيهِ السذَّج والمُغفَّلين والمراهقين الذين يتحاشَون الاقترابِ أَو الاصغاءِ إِلى مَن يُنبِّههم وينتقدهُم ويعلِّمهُم بقساوةٍ بعض الشَّيء! أَمّا الامام محمَّد بن عليٍّ بن الحُسين الباقر (ع) فيقولُ بهذا الصَّددِ {اإِتَّبِعْ مَن يُبكِيكَ وهُو لكَ ناصِحٌ، ولا تَتَّبِعْ مَن يُضحِكُكَ وهُو لَكَ غاشٌّ}.  
   أَنا أَعتقد أَنَّ نظريَّة تراكُم التَّجربة والخِبرة يجب أَن تتحوَّل عندنا إِلى ثقافةٍ يتبنَّاها المجتمع على مُختلفِ المُستويات لنضمِن إِنتقالاً سِلميّاً وسلِساً لها من جيلٍ إِلى آخر بِلا عُقدٍ أَو مخاوِف أَو مشاكل! فالمجتمعُ الذي يعيشُ صراع الأَجيالِ عند كلِّ مرحلةٍ إِنتقاليَّةٍ يفقد جهودهُ ويضيِّع طاقاتهُ وينشغل بالقيلِ والقالِ بدلاً من أَن ينشغِل بالبناءِ السَّليم!.
   *إِنتهى
   ٢٩




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=103145
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19