• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : رواية ( بلدة في علبة ) تسجيل بانوراما  لتاريخ السماوة .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

رواية ( بلدة في علبة ) تسجيل بانوراما  لتاريخ السماوة

 

هذه الرواية الزمكانية  برعت في صناعة خلق الابداع الروائي ,  في مجسداته المركبة , في التعاطي مع الاحداث السردية في المتن الروائي , الذي تعاطى بثنائية مركبة  رائعة , السرد التاريخي / الوثائقي , والسرد الروائي , في عملية متوازنة بتنسيق ابداعي متوازن  , لاشك ان مقتضيات السرد التاريخي / الوثائقي , يحتاج ان زحمة كبيرة من المصادر والمستندات والوثائق الارشيفة , ومصادر اخرى متنوعة ,  في مجالاتها التوثيقية والارشيفية , واعتمدت هذه الرواية على سرد الصور الفوتوغرافية , التي تؤرخ تاريخ مدينة السماوة , اي ان كل صورة فوتوغرافية من الصور 19 صورة  تشير الى  جوانب معينة من حياة وتاريخ المدينة العريقة السماوة  , وهي تتحدث بتعابيرها الدالة  عن سمات متميزة وظاهرة ومعروفة في معلوماتها المعرفية , في  السرد  الحكائي ,  وحكائي  يفسر ويعلق على هذه الصور الارشيفية .  ,لاشك ان قيمتها الثمينة بالغة الاهمية   ,  لذلك اهتمت بشكل بارز في انطاق الصورة بالسرد الحكائي . والبراعة المتناهية في  الجهد الابداعي , الذي خلق ارشيف متكامل ,  في جمع المصادر التاريخية / الوثائقية , في  البحث والتدقيق واللهاث وراء معلومة تاريخية لا يرقى اليها الشك  , تشير الى التاريخ  محدد  . سواء كان قديماً في عمقه الحضاري  . او  حديثاً معاصراً للواقع الموجود  , في المعطيات التراثية الموروثة التي ظلت حية تعيش وتتحرك  , وفي التقاليد الشعبية المتداولة , التي اصبحت جزء من  الحياة اليومية وسلوكها وتصرفها   ,  في المعالم الشعبية القائمة في مكونات حياة الناس المعيشية في نشاطها المعيشي اليومي  , وما تحتوي من شواهد شاخصة قائمة بذاتها . اي اننا امام عمل روائي مركب في عملية تأليفية , بين السرد الروائي  , والسرد الارشيفي   الحكائي  , ضمن  المحيط الاجتماعي والانساني والسياسي , ورواية ( بلدة في علبة ) نطقت بما هو  موجود في العلبة من الصور , تحدثت عما تحتوي  في داخلها من محتويات ارشيفية ,  يرسم خريطتها التاريخية , الجغرافية . السياسية , خريطة حاراتها الشعبية وحكاياتها الغرائبية  , وحكايات  الف حكاية وحكاية .   ويأخذنا الكاتب المؤلف في رحلة سياحية ممتعة ومشوقة , في تراثها الشعبي , في سيرتها الشعبية ,  في معالمها الشاخصة . حاراتها , اسواقها , شوارعها , حركة الناس , فنادقها , مطاعمها , المقاهي الشعبية ومميزات كل مقهى شعبي . مواسم اعيادها , العاب الاطفال في الحياة العادية وفي الاعياد . سهرات الليل وحكاياتها الغرائبية , منطقة القشلة وما حولها  . في اسلوب روائي متقن في ابداع , في مهارته وادواته وتقنياته .ثم ندخل في ذكر  الاشياء الجديدة , التي تدخلها لاول مرة في مدينة السماوة  , في قائمتها الطويلة , ونحصي منها بعض هذه الاقتطافات :

× اول مدرسة للبنين  والاخرى للبنات دخلت في مدينة السماوة

× اول معمل ثلج في مدينة السماوة

× او محطة قطار اقيمت في مدينة السماوة

× اول جسر معلق في مدينة السماوة

× اول سينماء فتحت في مدينة السماوة

× اول مدير بلدية السماوة

× اول من ادخل الكهرباء في السماوة

وكذلك يتضمن ارشيفها الصوري , اول زيارة الملك فيصل الثاني . وحتى اول قبلة حب خسرها من اجل فيليم ( سبارتاكوس ) , هذا السرد الرائع من خلال الصور الناطقة التي تؤرخ الحياة اليومية , بهذا التوثيق المشوق , خالٍ  من الضجر والملل , في دس المعلومات والمصادر التاريخية / الوثائقية الغنية في قيمتها  . لكننا نتوقف امام حدثين بارزين في الارشيفية  مدينة السماوة , وسجلت  عبرهما , صفحات من   البطولة والمجد والوطنية . في  الملاحم البطولية , ظلت نجوم ساطعة  ومضيئة تشع بضوئها الكفاحي والنضالي والوطني لمدينة السماوة  . اولهما : قطار الموت . والثانية صفحات المجد من بطولات جسورة  التي  اشعلت شرارة ثورة 1920 , في مقارعة الاحتلال البريطاني واجباره على التفاوض . لاشك ان الملحمة البطولية الخالدة , التي بصمت بصماتها  بشكل بارز تاريخ العراق السياسي المعاصر  , بأنها امتلكت  تراث مجيد بطولي يشع بالانوار الوطنية الحقة  , حين هبت الجموع الغفيرة , رجالاً ونساءاً واطفالاً, في النخوة العراقية الاصيلة , في انقاذ 500 سجين سياسي من براثن الموت في قطار الموت , وهم في انفاسهم الاخيرة , الجريمة  الرهيبة في وحشيتها ,  التي ارادت  ارتكبها سلطة  الفاشست البعث , ولكن لولا يقظة وفطنة ووطنية سائق قطار الموت , الذي خالف الاوامر الصارمة بالسير البطيء , حتى يموتوا اختناقاً في صيف تموزاللاهب  في الطريق , قبل وصولهم الى مدينة السماوة , فقد انطلق باقصى ما يستطيع من سرعة , وكسب اربع ساعات من عشر ساعات الطريق , وكان في استقبال قطار الموت جموع غفيرة من الناس التي تجمهرت  وتقاطرت   في جموعها  محطة القطار,  في نجدة وانقاذ حياة  السجناء السياسيين , وهم بين الحياة والموت , فقد هبت اهالي السماوة الابطال , اهل الغيرة والشرف والنخوة والوطنية الاصيلة  , هبة  رجل واحد ,  وكسروا الاقفال الحديدية واخرجوا السجناء , ومنعوا رجال الامن والشرطة من الاقتراب منهم ,  وهم في حالة يرثى لها  ( شارفوا على الموت وانزلوهم الى رصيف المحطة , حيث تمددوا عراة واهنين , لا يستطيعون الحركة . كانوا يشيرون بأيديهم طالبين الماء , ويستنشقوا الهواء بعمق , وهم يطلقون الحشرجات , فأسرع الناس اليهم , بالماء والملح واللبن والخبز والرقي , ويمنعون رجال الشرطة والامن من الوصول اليهم ) ص220 . والحدث الوطني الثاني الذي  اشعال شرارة ثورة 1920 , وتسجيل ملاحم بطولية مجيدة , برجالهم الاشداء وشيوخهم بالروح الوطنية الوثابة , وفي يوميات الثورة المجيدة , وهم يسطرون صور البسالة والبطولة في المقاومة الجسورة  , حتى تكبيد العدو خسائر فادحة , واجبر على الجلوس الى  طاولة المفاوضات , وان الاحفاد الحاليين لا يختلفون وطنية وبسالة وبطولة عن اباءهم واجدادهم , وهذه المآثر الوطنية الخالدة , ركز عليها باهتمام خاص الاديب الروائي القدير ( حامد فاضل ) في روايته ( بلدة في علبة )

×× السرد الروائي :

الاب مصور فوتوغرافي , لكنة تربى على الروح  الوطنية منذ نعومة اظافره , وشارك في كل الاشكال النضالية والجماهيرية , من بمساهمات فعالة ,  في  المظاهرات والاضرابات والاعتصامات , وتوزيع المنشورات السياسية , والمشاركة في الفعاليات النضالية الاخرى  , بما فيها المشاركة في فعاليات اتحاد الطلبة الذي انبثق تأسيسه  خلال  وثبة كانون ,  في ساحة السباع في بغداد . لكن هذه الروح المفعمة بالروح الوطنية  بالنضال الجسور , لا يمكن ان تكون بدون دفع  ضريبة كبيرة فادحة , فقد فصل من مدرسته الثانوية , واعتقل وسجن  وتعذب وتشرد , وعانى المعاناة القاهرة , حتى اضطر تحت وطئة التهديد بالسجن والاعتقال , وتشديد الخناق والحصار عليه , ان يغادر هرباً  مع عائلته الى مدينة الشامية , ولكن بعد ثورة 14 تموز عام 1958 . رجع الى مدينته الاصلية السماوة ( توقفت امام بيتنا المتواضع في منطقة العالية بمدينة الشامية , سيارة خنساء استعار محركاها رغاء جمل , لتمضي بنا الى مدينة السماوة . حيث قوض أبي خيمة غربته بعد عام من قيام ثورة 14 تموز عام 1958 , التي اتاحت له فرصة العودة الى مسقط رأسه ) ص45 . ولكن هذه العودة , تخللتها صراع حياتي شرس , صراع من اجل توفير الحياة البسيطة والمتواضعة لعائلته وتوفير لقمة الخبز  , التي كانت تعاني الفقر والحرمان , ورحل عن الحياة , وترك العبء الثقيل والمرهق الى ابنه , لكنه ترك كنز الارشيف الثمين بالصور الفوتوغرافية في العلبة , وهذا المقصود من عنوان الرواية , بأن الارشيف التاريخي والحياتي لمدينة السماوة ,  موجود في العلبة  , هي في الصور الفوتوغرافية , وكل صورة تحمل سمات مميزة من تاريخ السماوة , الراقدة في احضان نهر الفرات , وتعيس في سلام وتآخي وتعايش في اديانها المختلفة المتواجدة في المدينة  , هذه ارشيفية الصور لها طعم تاريخي / وثائقي بدلالاتها المعبرة , اصبح الابن معلم , لكن كان يعاني شظف العيش المرهق , بالراتب الضئيل الذي لا يكفي عائلته , إلا ايام معدودة , ذلك امتهن الاعمال الشاقة والمرهقة , الى جانب وظيفته التعليمية , من عامل بناء , الى عامل فرن , الى اعمال مرهقة اخرى , ليسد رمق الجوع والفقر , في ظل الحصار الدولي الخانق  , حتى اضطر ان يشجر خبز التنور , ليبع الخبز , لكي يساعد زوجته المريضة , وحتى فكر في الرحيل الى السعودية عبر البادية الصحراوية , لكن محاولته فشلت رغم انه وصل على مشارف الحدود , ليرجع الى عائلته , يصارع الحياة الشاقة والمتعبة  , حتى انه  عجز في توفير الحليب لطفله الرضيع , وكانت مناجاته الاخيرة , كالغريق الذي يتشبث بالقشة من الغرق , كان معينه الصور الفوتوغرافية, لتسد رمق جوعه وفاقته وعوزه  , في وضعه المخيب بالخيبات المحبطة  , في حياته التي  جفت فيها السنين بالجفاف العجاف

× رواية ( بلدة في علبة ) الروائي حامد فاضل

× 272 صفحة

× اصدار : دار سطور للنشر والتوزيع . عام 2015




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=102506
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 08 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29