• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من عِبَرِ الأولين .
                          • الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي .

من عِبَرِ الأولين

في الدول العظيمة والامبراطوريات الواسعة والحضارات المتجذرة تبدو مراحل النمو كمراحل الانسان كما يقول ابن خلدون يولد فيحبو ثم يمشي شاباً ثم كهلاً ثم يشيخ ويمرض واذا وصفت الدولة بالرجل المريض فترقب سقوطها وتوزيع ارثها لتولد دولة اخرى وأكثر ما يحزن المخلصين أن يروا دولتهم تولد وهي مريضة لا تكاد تحبو حتى تترنح وتسقط . وحين تمرض الدول تكثر الرشى وتضعف الادارة وتُفقدُ الهيبة ويتسلط القانون على الضعيف ويُعفى منه القوي وينحسر الأمان ويكثر اللغط والقيل والقال ويعشعش المفسدون وأكلة المال العام في الدهاليز المظلمة يتنعمون بأموال العباد دون خوف أو وجل . وهكذا كان أواخر الدولة العثمانية بعد أن حكمت سبعة قرون !! ولأن التاريخ معلم كبير ولأن التجربة علم مستأنف فدعونا نسرح مع المرحوم الدكتور علي الوردي وهو يسرد لنا عن احد المصلحين العثمانيين مدحت باشا الوالي العثماني على بغداد الذي تسلم منصبه عام 1869م وغادره عام 1872م وفي هذه الثلاث سنوات أنجز الكثير رغم ان الدولة العثمانية كانت تعيش عقودها الأخيرة وقد دب الفساد لدى موظفي الحكومة . تقصى مدحت باشا عن بعض المفسدين من المتصرفين ومدراء النواحي وكبار الموظفين وأول عمل قام به عزل قائم مقام راوندوز ومدير ناحية عانة وقاضيها عن مناصبهم وقدمهم الى المحاكمة ليردع الباقين . وسافر بنفسه الى كربلاء بعد أن وصلته معلومات عن فساد المسؤولين وبعد التحقيق عزل مصرفها وأحاله الى المحاكمة . ثم ضرب بيد من حديد المعترضين على التجنيد الإجباري وزج بكل ( الشقاوات) والمستهترين بالقانون في المعسكرات مطبقاً التجنيد الإجباري ليعلمهم الانضباط وخدمة العلم وطاعة الأوامر ليس هذا المهم ولكن التاريخ يقول أنه كان يصرف له مرتب شهري قدره الف ليرة وهو مبلغ كبير الا انه حين استلم كتاب اعفائه من الولاية لم يجد ما يسافر به الى اسطنبول عاصمة الدولة العلية فأرسل ساعةً مهداة اليه بيد موظف عنده ليبيعها سراً فأتى بها الموظف الى أمير هندي مقيم بالكاظمية ليدفع ثمنها اليه فابى الأمير فارسل اليه كمية من الليرات والساعة فاعاد مدحت باشا الساعة وهكذا أكثر من مرة حتى حضر اليه الامير يتوسل به فلم يقبل وأصر أن يسافر سفر الفقراء العاديين .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=102439
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 08 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28