• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : السلطان رحمان وجزيرة الشيطان* .
                          • الكاتب : عقيل العبود .

السلطان رحمان وجزيرة الشيطان*

كان يا ما كان في قديم الزمان، وسالف العصر والاوان، لحتى كان. كان هنالك سلطان شجاع، وحكيم، وعطوف اسمه رحمان، وكانت مملكته تنعم بالبر، والدفء، والامان، وهنالك عند اعلى قمة في الجبل، كان النهر الكبير الذي يغذي الارض، والتمر، والنخيل. 

 وفي يوم من الايام، اُصيبت أنحاء المملكة، كما أصيب حكامها بداء، ليس له دواء، فكان ذلك امتحان، ليس بعده ِامتحان. 

اما الداء فلم يكن احد من الحكماء، والأطباء بقادر على تشخيصه وشفائه، لقد جاء بفعل ريح سوداء، اضطربت على اثارها، وتدهورت احوال المملكة، ولما فتك ذلك الداء بالناس، صار لا بد من البحث عن سره، وأسراره، والقضاء عليه.

 لقد كان اول أعراض هذا الداء، ان معية السلطان، ووزرائه تحولوا بين عشية، وضحاها الى لصوص يسرق بعضهم، بعضا، وتحولت النعمة الربانية الى نقمة، أُبيد بسببها اكثر شعب المملكة الطيب، فكثرت الأموات، وتعالت الأصوات. 

 لكن  الحاكم الأكبر كان بحكمته، قد قرر ان يبقى يراقب ما يجري من قِبٓلِ حكامه، ولم ينبس بكلمة، بل جلس بعيدا عنهم، وتركهم في مرضهم هذا 'يعمهون'، حتى عّم الفقر، وكبرت رقعة الخراب، وانتشرت الأوبئة، بينما تحول النهر نحو كفة اخرى، وراح يبكي، لعله يجد من يواسيه. 

ويوم أُفِرغٓت كل خيرات المملكة من المال، والحلال، في جيوب الحكام، انتشر الجوع، والفقر، وتفشت لغة الفاقة، والجهل، واشيعت حكاية هنا، واُخرى هناك، حتى وهنت كلمة الحق.  

وبسبب ذلك لم يعد العامل قادرًا على البناء، ولا المعلم قادرًا لان يقوم بمهمته، ولا الطبيب قادرًا لان يعالج مرضاه، ولم يعد صاحب الدكان بقادر ان يبيع الآخرين، محطات الوقود تعطلت، وأصبحت الحركة مستحيلة في جميع أنحاء المملكة؛

يومئذ، لم يعد للإنسان قيمة، ولا لكلمة صاحب الامر قيمة، ولا للمال قيمة، ولا حتى للحياة قيمة، وبقيت الحال هكذا أشهر، وأشهر، وسنوات.

 ولم يبق الا ثلة من الحكماء، والمستضعفين ممن لم يشاركوا من سبقهم في مال الحرام، وهؤلاء كانوا يعيشون بعيدا عن دائرة الشيطان، يساعد بعضهم البعض، ويمدهم النهر بمائه العذب الرقراق، ولانهم لم يسرقوا، فلم يمسسهم المرض، وعاشوا طويلا. 

وهذه الثلة هي التي وضعت يدها بيد صاحب الحكمة والفضيلة، فيما بعد، وراحت تحكم البلاد بدلا عن اولئك الذين فتك بهم الخوف والخذلان، والبسهم ردائه، 

وبما ان الشعب أكثره مات جوعا بسبب المِحنة، ولم يعد المكان كاف لدفن الناس، أصدر صاحب النفوذ وبموافقة حكامه الجدد، مرسوما سلطانيا، بموجبه يدفن جميع الموتى في مدنهم، ومناطق سكناهم، بحيث ان لا يكون هنالك مكانا مخصصا لدفن الموتى، ولكن وللضرورة تَقَررَ ان تُزرع لكل ميت من أبناء المملكة،  شجرة تحمل اسم الضحية، تنمو مع السنين، تحكي قصة البلاد، لعلها حكمة الحياة تغذي الاخرين مع ماء النهر الذي اعاد الى المملكة شريان الحياة. . 

 بينما تقرر ان يتم نقل جثث الوزراء، والحكام الذين مسهم الداء، الى بقعة من الارض بعيدة عن النهر، هذه البقعة أصبحت فيما بعد اشبه بقلعة بائسة تعوم في ظلمتها الطيور الجارحة، والغربان وتحيط بارضها الجبال، والنيران المشتعلة، وتم تسميتها بجزيرة الشيطان.  

هنالك في ذلك المكان دفن المصابين بذلك الداء مع جميع أثاثهم، وما احتوته قصورهم ايام الحكم، وتم ايضا ملاحقة المصابين من الهاربين منهم، والإتيان بهم الى قبضة صاحب العدل.

هنالك في السجن الكبير لتلك القلعة قضى العدد الأكبر منهم نحبه، وأُحيط المكان بنيران مشتعلة أزلية تنذر الأجيال بما حصل لهؤلاء الذين قتلهم المرض.  

وبعد حين من الزمان، والازمان، نمت أشجار الموتى من الشعب الطيب، وصارت المدن، وبواباتها اشبه بخضرة دائمة تصد الرياح التي تأتي بالامراض من الخارج، حتى ارتدت المملكة من جديد ثوب عرسها، ودفنت مملكة الشيطان. 

* المقدمة كتبت على نمط حكايات الف ليلة وليلة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=100326
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 08 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29